في عزّ الأزمة الثقافية التي تجتاح لبنان والجهود الحثيثة للحفاظ على الهوية والثقافة وتشجيع القراءة، اتّخذت بلدية البترون قرارًا صادمًا بإقفال المكتبة العامة في المدينة وعمدت على توزيع عدد من الكتب مجانًا على المدارس والمهتمين، فيما أتلفت بعضها الآخر ورمتها في النفايات. هذا القرار فاجأ الأوساط الثقافية والتربوية في البترون التي شبهت هذا التصرف بالجريمة بحق الثقافة!
أوساط مطلعة في البلدية أرجعت السبب الى تراجع مسار المكتبة وعدم اهتمام شريحة واسعة من المواطنين بالقراءة والمطالعة والاكتفاء بالوسائل المتطورة مثل الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.
المهمة أنّ المكتبة أقفلت ووزعت كتبها وأعيد المبنى الى أصحابه، فهل كان هذا القرار السليم من قبل البلدية باقفالها وتوزيع الكتب؟ وكيف سيتحرك المثقفون في المدينة لمواجهة هذا القرار؟ وكيف سيتم تعويض تلك الخسارة الثقافية الكبيرة؟!
“مثقفون في بلاد البترون” أصدروا بيانًا اعتبروا فيه أنّ قرار إقفال المكتبة فضيحة كبرى، مشبّهين الأمر بما فعله “داعش” بمكتبة الموصل من حرق ونهب وتدمير. فبدلا من أن يكون بعض القيّمين على بلدية البترون مسؤولين عن صيانة واعداد المكتبة ضمن احترام قوانين السلامة العامة المرعية الاجراء عبر زيادة كتبها وتطوير نشاطها بعرض الأفلام السينمائية، وإعداد النشاطات الموسيقية وتنظيم الاحتفالات الثقافية المختلفة، يقوم رئيس البلدية (مارسيلينو الحرك) برمي الكتب في براميل النفايات وبتوزيع كتب المكتبة ووثائقها وتجهيزاتها مجانًا على جهات مختلفة كمقدمة لاقفالها!
“داعش” مرّ بالبترون؟!
الدكتور عصام خليفة وهو الذي يدير هذا التحرك يستعيد في حديث لـIMLebanon محطة تاريخية بالغة الدلالة حيث يقول إنّه”في العام 1987 كانت مكتبة “واحة الرجاء” عرضة لخطر القصف، خصوصًا وأنّ موقعها كان على مقربة من المتحف، فاتصل برئيس بلدية البترون آنذاك كسرى باسيل وعرض عليه نقل المكتبة الى البترون للمحافظة عليها وهذا ما حصل وأنشأنا مركزًا ثقافيًا وبدأنا بتجميع الكتب”.
ويكشف خليفة أنّ “البلدية وقعت على بروتوكول مع وزارة الثقافة العام 2003 مع الوزير غسان سلامة ينصّ على أن البلدية مسؤولة عن المحافظة على سلامة المكتبة الموجودة في البلدة، وإذ فجأة نرى أن الكتب وزعت وبعضها تمّ رميها في النفايات وبعضها الآخر قدّمت الى المدارس والمهتمين وأهالي البلدة من اجل اقفال المكتبة”.
ويشدّد على أن “هذا العمل وداعشي ويستهدف الحضارة، سائلا: “كيف يتم دفن مكتبة بهذا الشكل”؟ ويشير الى أننا “وضعنا خطة تحرك واتصلنا بوزير الثقافة روني عريجي وقال إنّه سيتحرّك، أمّا رئيس البلدية فيقوم باتصالات من أجل التحاور ولكن على ماذا سنتحاور بعد رمي الكتب وتوزيعها، فإذا أراد التحاور فليعِد المتب التي رميت ووزعت وعندها يمكننا التحاور”!
ثروة ثمينة دمِّرت!
ويلفت الى أن “موقفنا تصاعدي والمثقفين في المنطقة يدرسون خطة تصعيد وقدمنا للنيابة العامة أخبارًا وسنقوم باجتماع لاحق معهم وسنقدم لهم كل التفاصيل لهذا الموضوع، وهدفنا ليس سياسيا بل وطنيا والمفروض حسب القانون وحسب التوقيع الذي وقع عليه مع وزارة الثقافة ان يحترمه خصوصا ان مجتمع المعرفة هو الرقي في المجتمع، فكيف يتم اتخاذ هكذا قرار؟ “داعش” قام بهذا الامر في الموصل ودمر الآثار فهل يجوز ان يحصل هذا الامر في لبنان”؟
ويكشف خليفة عن أنّ “المكتبة تتضمن صورا تراثية من البترون، بالإضافة الى كتب كثيرة وتراثية قدمتها السفارات لنا فهي ثروة لا تقدر بثمن، ونحن سنتابع الامر بالطرق القانونية وعندنا اتصالات مع اهل السياسة لنضعهم امام مسؤولياتهم لان هكذا فعل ينم عن جهل ولا يمت بالانماء والثقافة بصلة”.
قرار همجي وفردي
رئيسة الرابطة الثقافية في البترون أودين سلوم تؤكّد في حديث لـIMLebanon أنّ “رئيس البلدية اخذ قرارًا منفردًا باقفال المكتبة ورمي الكتب وتوزيعها، وهناك موسوعات اساسية ومهمة جدا تم توزيعها عشوائيا خصوصًا أنّ بعضها لا يتم طبعها نهائيا لمؤلفين كبار، والقيمة هي معنوية وليست مادية لان بعض الكتب لا تقدر بثمن وهذا القرار همجي”.
وتكشف سلوم عن أنّه “عندما اتّخذ القرار باقفال المكتبة وتمّ توزيع الكتب بدأ يقول إنّه نقل المكتبة ولم يقفلها وقال انه يملك كتبا يمكننا تسلمها إلا انه فعليا لم يضع على الرف اكثر من 50 كتابا وبعض الموسوعات التي لم يأخذها أحد، فالمكتبة التي كانت تحتوي على آلاف الكتب لم يعد فيها اكثر 100 كتاب، فهو يقول انه قام بنقل المكتبة ولكن هو فعليا قام باقفالها”.
وتضيف أن “قرار اقفال المكتبة وتوزيع الكتب ينم عن قلة وعي وثقافة، خصوصا أن هناك هبات كثيرة من دول كبرى وعظمى من كتب وموسوعات لكتاب ومؤلفين كبار تم التفريط بها بتلك الطريقة الهمجية والعشوائية”.
هل نحوّل القلعة الى كسارة؟!
من جهة أخرى، يعتبر مصدر خاص من بلدة البترون في حديث لـIMLebanon أنّ “هذا الفعل جريمة موصوفة والصور تتحدث عن نفسها حتى ان “داعش” لم يقم بهكذا أمر”، ويسأل: “هل من المعقول أنّ أكثر من 20 ألف كتاب يتم رميها بتلك الطريقة، فمهما كانت الحجج من غير المقبول اتخاذ هكذا قرار، فإذا ليس هناك من قراء نقفل المكتبة؟ فإذا معلم سياحي لا يدخل اليه زوار نقوم بإقفاله”؟
ويتابع المصدر أنّ “قرار الاقفال يأتي تحت حجة أنّ لا أحد يدخل الى المكتبة وأنّ وضع الكتاب غير جيد في عصرنا هذا وعصر التطور، لكن لا يمكن فهم قرار اقفالها وتوزيع الكتب خصوصًا أنّ للمكتبة قيمة كبيرة وفيها كتبا من باريس ودول أوروبية أخرى”.
ويكشف المصدر عن أنّ “الكتب كلّها وزعت على المدارس والمواطنين بالمجان فيما المبنى المستأجر تمّ استرداه لأصحابه”، ويضيف: “كان يمكن نقل المكتبة الى القصر البلدي الجديد كما تمّ اقتراح تحويل المكتبة الى معلم أثري مثل أي معلم آخر في البترون”.
وسأل المصدر: “إذا كانت قلعة البترون لا تشهد اي زوار فهل نحولها الى كسارة؟ لذلك علينا اعتبار مكتبة البترون معلمًا من معالم المدينة وتحت تلك الحجة الناس ستبدأ بزيارتها، ولكن اليوم بعد توزيع الكتب لم يعد بإمكننا فعل أي شيء”.