كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
في اطلالته التلفزيونية مع الزميل مارسيل غانم في 22 نيسان الماضي، كشف وليد جنبلاط أنّه خطّ كتاب استقالته من مهامه النيابية ولا ينتظر سوى انعقاد الجلسة التشريعية ليرفعها الى صديقه الرئيس نبيه بري لتصبح سارية المفعول.
يومها استخدم الزعيم الدرزي ضمائر المتكلم في مخاطبة رئيس المجلس حين قال له «مضت سنوات على دخولنا المشترك المعترك السياسي اللبناني وكانت تجربة كل منا وتجاربنا المشتركة قاسية وصعبة وغنية ومنتجة في آن معاً»، قبل أن يعلن طيّ الصفحة النيابية من كتاب حياته السياسية.
لربما كان الرجل لا يتحدث عن حالته فقط التي حان وقت تقاعدها النيابي، وانما عن جيل بكامله أدى قسطه السياسي وآن له أن يرتاح، وأن تنتقل العباءة الى الجيل الثاني.
من يعرف جنبلاط جيداً يدرك أنّه يشتغل السياسة في هذه الأيام فقط لتأمين انتقال هادئ وسلس لزعامة الطائفة الى نجله تيمور. يقوم الأخير بما يمليه عليه واجبه الاجتماعي من لقاءات أيام السبت والأحد من كل أسبوع، بانتظار لحظة الحقيقة التي ستضعه في مواجهة التحديات وليس الرسميات.
ولو تُركت حرية الخيار لسيد المختارة، لكان فضّل تمضية وقته في رحلات استكشاف سياحية، أو أمام شاشة «الآيباد» يملأ الفضاء الافتراضي بتغريداته السوريالية، لكنه يعرف أنه لا بدّ من «وجع الرأس»، في انتظار أن يصبح تيمور جاهزاً.
ومع ذلك، يتصرف الرجل على أنّها مرحلة انتقالية بمنزلة بين منزلتين، له ولبعض من رفاقه. مروان حمادة واحداً منهم. فربيع الجبل صار على الأبواب ومن الأفضل الاستعداد له.
قد يصعب تحديد التوصيف الدقيق لمروان حمادة في القاموس الجنبلاطي: هل هو الصديق «الحبيب» الذي واجه الموت بشراسة حين بلغه «غول» الاغتيالات الأمنية؟ هل هو علاقة الوصل الضرورية مع آل الحريري؟ هل هو حيثية شوفية لا يجوز الاستغناء عنها أم أنه «أُنتين الأنتينات»؟
هل هو السياسي العتيق المحنّك الذي يعرف متى يكون مدافعاً عن سوريا ومتحمّساً لها ومتى يكون صقراً من صقور 14 آذار؟ هل هو «الجنبلاطي» الذي بمقدوره في لحظة اختلاف سياسي، الانفصال عن رفيق العمر، والالتحام به من جديد من دون أن يرفّ له جفن؟
النائب البرجوازي ابن البيت الديبلوماسي العريق، قد يكون كل ذلك معاً، وربما أكثر من ذلك بكثير هو الذي يضع في مخزونه تاريخه السياسي و«المهني»: من العام 1980 حتى 2008 توالى على وزارات السياحة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والصحة والمهجرين والاتصالات معاصراً خمسة رؤساء حكومات وأربعة عهود رئاسية. هو نائب عن الشوف في البوسطة الجنبلاطية منذ العام 1996، ويرأس مجلس إدارة جريدة «النهار»، وصاحب شبكة كبيرة من العلاقات الدولية.
عشية التأليف الحكومي، سحب وليد جنبلاط اسم مروان حمادة من الدرج وأعاده الى طاولة المستوزرين الى جانب ايمن شقير ليشكل توزاناً بين الشوف وبعبدا التي يفترض أنها توزّر للمرة الأولى من جانب الزعامة الجنبلاطية على قاعدة حكومة من 24 وزيراً.
وفق المطلعين على الطبخة الجنبلاطية فإنّ مبدأ «المداورة» بين «نجوم الحكومات»، أي مروان حمادة، غازي العريضي، وائل أبو فاعور، وأكرم شهيب، هو الذي يحكم مبدأ تسمية حمادة.
لكن وفق غيرهم، تبدو المسألة أبعد من لعبة «نقشة وطرّة». حمادة يستعد للتقاعد النيابي وسبق له أن فاتح «رفيق العمر» برغبته تسليم الشعلة الى نجله كريم ليكون في عداد اللائحة الجنبلاطية التي ستخوض المعركة النيابية في العام المقبل اذا لم يرحّلها التأجيل التقني سنة اضافية.
يعرف حمادة أنّ هذا التغيير يدغدغ أفكار زعيم المختارة، ليشكّل تيمور قائمة انتخابية متجانسة معه عمراً وذهنية. وقد يكون من الأفضل ان يشمل التغيير أكثر من شريك في اللائحة.
الأمور حتى اللحظة لا تزال على حالها. تيمور يكتفي بواجب الاستماع الى ضيوف القصر ومطالبهم، ويقترب بخطوات مقتضبة جداً من زواريب السياسة وألاعيبها، والأرجح أنه لا يحبذها كثيراً. وبانتظار فتح صناديق الاقتراع… لا بأس من جائزة وزارية تكون بمثابة مكافأة تقاعد العمر!