كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
قبل عام تقريباً، أمسك سامي الجميل بقرار حزب الكتائب بشكل رسمي ليصير رئيساً منتخباً بشرعية “فتيان” الحزب، بعدما كان قبل ذلك يتولى المهمة بفعل سلطة الأمر الواقع التي كان يتيحها له والده الرئيس أمين الجميل.
منذ تلك اللحظة، حرص رئيس الجمهورية السابق على الابتعاد عن الواجهة الحزبية ليدير شوؤن “بيت المستقبل”. ترك المسرح لنجله ليثبت أنّه صاحب القرار الفعلي والأوحد، وبأن محاولات الالتفاف عليه من جانب “القدامى” لا بد أن تصطدم بحائط مسدود.
وبالفعل، يجزم أكثر من كتائبي يعرف الرجلين، بأنّ سامي نجح في الفصل بين العهدين وما تفصل بينهما من أجيال، وبأنّ ما يُبتّ في البيت المركزي، لا يمكن الانقلاب عليه أبداً. فكانت له “مملكته” في الصيفي، التي ترفض بكفيا التسلل اليها حتى لو كانت القضية تخصّ سجعان قزي، الصديق القديم لفخامة الرئيس!
هكذا، ما فرّقه سامي في حكومة تمام سلام، لم يحاول أمين الجميل أن يعيد جمعه، فترك سجعان قزي يخرج من بيت الطاعة المركزي بقرار فصل بعدما أصرّ رئيس الحزب على مغادرة الطاولة الحكومية لوزارة تمام سلام، اقتناعاً منه بأنّها صارت بضاعة كاسدة ومن الأفضل الخروج منها.
ولما طرق تفاهم “التيار الوطني الحر”- “تيار المستقبل” أبواب الرئاسة المقفلة من 25 أيار 2014، فضّل سامي الجميل التغريد خارج سربيّ المنافسة، ولو الشكلية، التي شهدتها جلسة 31 تشرين الاول.
فلا ركب قطار “الصفقة” كما وصفها والتي حملت ثنائياً مسيحياً يشكلان السواد الأعظم من هذا الشارع، ولا حمى رأسه بورقة بيضاء من شأنها أن تخفف من وهج أغلبية الرئيس المنتخب. وأصرّ بالنتيجة على ألا يكون “لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير”، مستخدماً مصطلح “ثورة الأرز” ليسجّل سابقة اولى في تاريخ الحزب بعدم الاقتراع لأي مرشح، علما أن سامي الجميل كان قد أعطى وعدا لرئاسة المجلس النيابي بالتصويت بالورقة البيضاء وليس بـ “ثورة الأرز”!
يؤكد عارفو الشاب المتني أنّه مقتنع بهذا الأداء التمردي الذي يخرجه من اصطفافات صارت بنظره بالية، ويخشى من غلبة الثنائي المسيحي في مناطق جبل لبنان، فلذا تراه يرفع السقف عالياً اعتقاداً منه أنّه مخرج إنقاذه من تسونامي “اعلان النيات”، ولهذا بدا ميله فطريا الى رفض المشاركة في اولى حكومات العهد، خصوصاً أنها تشكيلة تسديد ديون رئاسية وحكومية، ستجعل من سمير جعجع “طاووساً وزارياً”.
أكثر من ذلك، يقول عارفو سامي أنّه يميل “بالفطرة” الى المشاغبة والخطاب المعارض. لا يمكن للشاب أن يجلس على كراسي الموالاة برصانة وهدوء. ولهذا يقفز سريعاً الى مقاعد الـ “لا”، اعتقاداً منه أن مواجهة الاستحقاق النيابي المقبل بخطاب معارض يشدّ به عصب الجمهور، هو أفضل بكثير من مقعد وزاري سيلزمه الصمت طوال الشهور المقبلة.
ولكن يبدو أنّ الرئيس أمين الجميل غير راض عن أداء الحزب في ما خصّ الملف الرئاسي، ما استدعى تدخله السريع (للمرة الأولى منذ انتخاب سامي) لاعادة تصويب البوصلة بعد تظهير وجهة نظر مختلفة عبّر عنها في حديث صحافي قال فيه إنّ “المصلحة الوطنية تقتضي دعم رئيس الجمهورية وعهده، ونحن سنفعلها”، في محاولة مكشوفة لكبح “شطحات” نجله الراغب في الانتقال سريعاً الى صفوف المعارضة.
لم يكتف الأب بذلك، بل تعمد أمس الأول أن يقصد الرئيس المنتخب ميشال عون مهنئاً اياه ومشددا على أنّ “الحكومة يجب أن تكون منسجمة ومنتجة وألا تكون حكومة توزيع مغانم حزبية”، مؤكدا أن “العماد عون هو رئيس الكل وحامي الوطن وسنكون الى جانبه في هذه المهمة”.
ويؤكد المتابعون أنّ رئيس الجمهورية السابق لا يريد لحزبه أن يدفع ثمن أي “تمرد كتائبي” غير مدروس، فيخلق خصومات مجانية قد تلتهم مقاعده النيابية حين يأتي أوان صناديق الاقتراع، ولهذا يفضل خيار مسايرة الموجة البرتقالية على الوقوف بوجهها.
وهذا ما دفع سمير جعجع الى اجراء اتصال هاتفي بالرئيس الجميّل ليشير الى ان “العلاقة الطبيعية بين القوات والكتائب هي القاعدة والخلاف هو الاستثناء”، وذلك من باب تخفيف الاحتقان الذي ظهر الى العلن بين الفريقين في الآونة الأخيرة.
حتى الآن يتلخص الموقف الكتائبي الرسمي بالآتي: “نحن لم نعلن رفضنا المشاركة في الحكومة لا بل رحبنا بقيام حكومة وحدة وطنية تضم الجميع ولكن لا يعني أبداً أننا تواقون للجلوس الى هذه الطاولة. ولم نضع سلّة شروط على الرئيس المكلف تحدد موقفنا النهائي. نحن ننتظر عودة الرئيس سعد الحريري الينا لدراسة العرض الذي سيوضع على طاولة المكتب السياسي. وعلى أساسه يكون لنا القرار المناسب”.