كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: حوّلت الحرب السورية وبوقت قياسي “حزب الله” من ميليشيا تقوم على مجموعات صغيرة تعتمد “حرب العصابات” اختصاصها مواجهة إسرائيل، إلى جيش منظّم بإطار كتائب وألوية، يمتلك أسلحة متطورة وقوة ردع لا يمتلكها الجيش النظامي اللبناني، ما يعقّد أكثر فأكثر إمكانية احتوائه في المستقبل بإطار الدولة وأجهزتها ويُرجّح بحسب خبراء فرضية بقائه بكيانه وعتاده الجديد على الأرض السورية إلى أجل غير مسمى.
ولم يكتف الحزب بالرسائل المتعددة الاتجاهات التي وجهها من خلال الصور والمشاهد التي أظهرته بـ”فائض قوة” في منطقة القصير السورية الواقعة بالقرب من الحدود الشمالية للبنان، بل خرج نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم ليُعلن صراحة أن الحزب تحول إلى جيش، قائلا: “أصبح لدينا جيش مدرب ولم تعد المقاومة تعتمد على أسلوب حرب العصابات، وأصبحنا أكثر تسلحا وتدريبا وامتلكنا خبرات متطورة، وكل ذلك من أجل حماية لبنان ولمصلحة لبنان”. وفي وقت لاحق قال مكتب العلاقات الإعلامية في الحزب لوكالة “الصحافة الفرنسية” إن قاسم قال: إن ما يسمى “حزب الله” “بات أكبر من مقاومة وأقل من جيش” وليس “جيشا مدربا”.
ويُجمع عدد من الخبراء الذين يراقبون حركة تطور الحزب تنظيميا، أن الشكل والكيان الذي تحول إليه في سوريا لا يُمكن أن يعود به إلى لبنان لمواجهة إسرائيل، من منطلق أن خصم الحزب على الأراضي السورية لا يمتلك الطائرات القادرة على تدمير ترسانته العسكرية بخلاف تل أبيب، وبالتالي فإن “ما نراه اليوم في سوريا لن نراه على الأرجح في بيروت”، بحسب رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، العميد المتقاعد الدكتور هشام جابر الذي يتحدث لـ”الشرق الأوسط” عن وجهين للحزب اليوم، فهو “ميليشيا في لبنان وجيش في سوريا”. ويضيف: “لطالما كان الحزب ومنذ ثمانينات القرن الماضي تنظيما ثوريا يعتمد تكتيك حرب العصابات عبر مجموعات صغيرة لا تتعدى الـ12 مقاتلا، كما أنّه لم يكن يعتمد يوما على الآليات الثقيلة ويكتفي بسيارات رباعية الدفع تحمل مضادات للدروع، نظرا لسرعة الحركة التي يتيحها اعتماد هذا التكتيك الذي أثبت فعاليته بمواجهة إسرائيل على الأراضي اللبنانية”. وأشار جابر إلى أن انتقال الحزب إلى الحرب السورية حيث يواجه ما يسميها “تنظيمات إرهابية” جعله يعتمد إلى جانب “حرب العصابات، تكتيكا جديدا تعتمده عادة الجيوش النظامية لمواجهة تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة) اللذين يستخدمان أسلحة متطورة تستلزم ما هو مختلف عن الكمائن والهجومات المباغتة”.
ويؤكد جابر أن الحزب على الأرجح لن يستخدم الأسلحة الثقيلة التي شاهدناها في القصير في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل على الحدود اللبنانية الجنوبية: “باعتبار أن الطيران الإسرائيلي قادر على تدمير كل هذه الترسانة بخلاف عدو الحزب في سوريا الذي لا يمتلك سلاح جو”. ويقول: “أما بشأن عودة الحزب إلى لبنان بشكله الحالي، فأمر مستبعد، مع التشديد على أنه عندما تنتهي الحرب السورية سيكون لكل حادث حديث”، متسائلا: “من قال: إن عناصر الحزب سينسحبون كليا؟ ألم يقل الأسد إن سوريا لمن يُدافع عنها؟ أوليس عدد كبير من سكان القرى السورية الحدودية لبنانيين؟”.
وفيما يستبعد مراقبون تماما أن يكون الحزب تحول إلى جيش حقيقي يوازي الجيش اللبناني تنظيميا، خاصة لجهة تقسيمه لألوية وكتائب كتلك المُتعارف عليها، يشير جابر إلى ما قد يميز الحزب عن الجيش النظامي اللبناني هو امتلاكه لقوة ردع هي عبارة عن 100 ألف صاروخ موجهة للعمق الإسرائيلي إضافة إلى إمكانية امتلاكه مضادات للطائرات. أما عن أعداد عناصر الحزب، فيتحدث الجنرال المتقاعد عن “معلومات غير مؤكدة ورسمية تفيد بوجود نحو 15 ألفا في صفوف النخبة و15 ألفا آخرين، بالإضافة إلى سرايا المقاومة التي تضم هي الأخرى نحو 25 ألفا”.
ويرد رئيس مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (أنيجما) الدكتور رياض قهوجي، لجوء ما يسمى “حزب الله” إلى تكتيك قتال الجيوش النظامية بعدما كان يعتمد “حرب العصابات”، لفشل طريقة المواجهة التي كان يعتمدها في الحروب مع إسرائيل وأثبتت جدواها في حينها، في حسم المعارك لصالحه في سوريا، لافتا في تصريح لـ”الشرق الأوسط” إلى أنّه في جنوب لبنان يعتمد الدفاع أما في سوريا فالهجوم لمحاولة السيطرة واحتلال مناطق. ويضيف: “اختلاف التكتيك مرده لاختلاف طبيعة المعركة التي تتطلب اليوم جيشا نظاميا مجهزا بأسلحة هجومية.. كما لتطور المشروع الذي كان وطنيا محصورا بمقاومة إسرائيل في الجنوب فبات اليوم ذات أبعاد إقليمية”.
“وبخلاف ما كان يُراهن البعض بأن ينتهي دور (حزب الله) نتيجة التطورات الإقليمية، فقد عقّد خروجه للقتال خارج الأراضي اللبنانية من مهمة استيعابه في كنف الدولة والمؤسسات نظرا لتحوله من مجموعات مقاتلة إلى جيش”، هكذا يختصر قهوجي طبيعة التحديات المقبلة على لبنان لافتا إلى أن “التعايش والتنسيق غير المعلن الحاصل بين الحزب والجيش اللبناني سيستمران لأن كل الفرقاء يتعاطون معه هذا (التعايش والتنسيق) كأساس للسلم الأهلي، وبديل عن الحرب الأهلية”. ويضيف: “إلا أن الواقع الذي نتعايش معه، يتفاقم ويزيد تعقيدا مع مرور الأيام.