كتبت ميسم رزق في صحيفة “الاخبار”:
عشيّة إعلان الولادة الحكومية، تقف “القوات اللبنانية” مستاءة من الرئيس سعد الحريري، وعاتبة على التيار الوطني الحر. مع بداية العهد الجديد لم تجد معراب لها حليفاً كحزب الله يضع خطاً أحمر ضد المسّ بما تعدّه حقاً “مقدساً”، وخصوصاً الحصول على حقيبة سيادية. مع ذلك، ارتأت الصمت كي لا تُتهم بالتعطيل.
جاهَدت “القُوات اللبنانية” لإثبات حقّها في الحصول على حقيبة سيادية، وسعَت من أجل انتزاعها. ثمّة من كان مُستعداً لأن يفرش لها السجاد الأحمر على باب الوزارة لو كان بمقدروه ذلك، كالتيار الوطنيّ الحرّ.
وآخر كادَ يقبلها من مُنطلق استحياء، حتى لا يُتهم بالإساءة إلى حليفه، كتيار “المُستقبل”. وحده حزب الله الذي وكّل الرئيس نبيه برّي التفاوض الحكومي، نجح في انتزاع “اللقمة” قبل أن تصِل إلى فم معراب، فلم تجِد حلاً سوى التسليم بالأمر الواقع، كي لا تُتَّهَم بعرقلة التشكيل. تحمِل استياءً كبيراً من الرئيس سعد الحريري الذي يمنعها من ترجمة الانتصار الرئاسي حكومياً، وعتباً أكبر على بعبدا التي “كان بمقدورها أن تفعل الكثير لأجل شريك العهد”!
يتمنّى سمير جعجع لو أنه الرئيس نبيه برّي. أو على الأقل أن يكون حليفاً لحزب الله. لكانت الحقائب هي التي تبعته. هذا ما يختلج في نفوس القواتيين الذين يشعرون بالغبن في التركيبة الحكومية العتيدة، لأنها لا ترقى إلى مستوى “التضحيات” التي قدّموها. مع ذلك، لا يريد رئيس القوات أن يكون في موقع النادم أو المستاء أو المعرقل للعهد، بل يريد للزخم الذي انطلق مع انتخاب ميشال عون أن يستمر. تنازل عن الحقيبة السيادية، مقابل الحصول على حصّة وازنة وعدم الوقوف عقبة على طريق التشكيل.
لربّما تنطلق حسابات جعجع لكونه متحالفاً مع طرف “عاجز” عن التعطيل كرمى لعيونه، كما فعل حزب الله من أجل الرئيس برّي، لذلك قضت “براغماتيته” بالمشاركة، رغم مجموعة من التحفظات على تعاطي العونيين والمستقبليين معه على حد سواء. بالنسبة إلى عون، أبرز التحفظات عليه، هي “عدم وقوفه إلى جانب القوات لنيلها حقيبة سيادية، إذ لم يرسم الرئيس خطاً أحمر لمنع المسّ بحصة حليفه الجديد، بل اقتصر التعويض على ثلاث حقائب”، لا تبدو أنها تروي عطش القواتيين، رغم أهميتها. وهذا أيضاً لم يشفِ غليل الجمهور القواتي الذي كان يعتبر أن حزبه سيكون أمّ العهد وأبا الحكومة، وبالتالي يحق له تحصيل ما هو أكبر بكثير مما تحقق، لأن ذلك لا ينسجم مع حجم التنازلات التي قدّمها. كذلك لم يُؤخذ في الاعتبار أن “موقف جعجع المبكر في دعم عون هو الذي أتى بالأخير رئيساً، وأجبر تيار المستقبل على السير بهذا الخيار، نزولاً عند رغبة الأكثرية المسيحية”، كما يروّج القواتيون. ولم يكُن المفترق الأول مطمئناً بالنسبة إلى هؤلاء، خصوصاً أن هناك من يرى أن البعض نكر تعهّداته قبل صياح الديك. والتعهدات هذه مثبتة على “لسان نواب عونيين أكدوا حق القوات في الحصول على حقيبة سيادية”. وأكثر من ذلك، ثمّة من القواتيين من يرى أن القوات ستكون الضحية الأبرز في هذا العهد، فيما يقول آخرون إنها لن تحصل على ما تريده، ولا سيما أن فريق عمل الرئيس ميشال عون، بمعظمه معادٍ للقوات، وكان أبرز أركان حرب عون عليها في السابق!
على ضفّة الحلفاء “القدامى” ليس الحال بأفضل من ذلك. كانت “القوات” في مكان ما، تعوّل على دور الرئيس المكلف لتحصيل مغانمها الوزارية. فيتبيّن لها أن لرئيس تيار المستقبل حسابات أخرى تنطلق من الوعد الذي أعطاه لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية بتمثيله في الحكومة، ما تعتبره القوات “على حساب حصتها”. كان جعجع قد استبق هذا الأمر، لدى مطالبته بأن لا تتمثّل المعارضة داخل الحكومة، وذلك لضمان توسيع حصته. واعتبر في أكثر من محطّة أن من لم يسِر في خيار انتخاب عون لا يجب أن يكون شريكاً في التشكيلة الحكومية الجديدة. لكن الحريري سار بخلاف ما أراده جعجع، وهو التمسك بحكومة الوحدة الوطنية، وهذا ما تعتبره القوات أيضاً “استمراراً من قبل الحريري في محاولة الالتفاف عليها لتحجيم دورها، عبر عدم حصر التمثيل المسيحي بها وبالتيار الوطني الحرّ”. ولـ”القوات” مع “المستقبل” قصّة أخرى في هذا المجال، منذ عام 2005، تتمثل في “إصرار الحريري على عدم التنازل عن نوابه المسيحيين للقوات، ما ينعكس قّلة في عدد أعضاء الكتلة النيابية القواتية، وبالتالي تمثيلها حكومياً”. لا يترك هذا الكلام في أروقة المستقبل أثراً كبيراً، على الرغم من أنه يتردّد كثيراً على مسامع الحريري والمقربين منه. فيعتبر المستقبليون أن “مشكلة جعجع هي مع الرئيس عون والتيار الوطني الحرّ، وما اتفق عليه معهم، فيما كان تيار المستقبل خارج هذا الاتفاق”. وبحسب ما يقول أحد المستقبليين فإن “على جعجع أن يخوض معركته مع حزب الله وعون بنفسه، لا انتظار خوضها له من قبل الآخرين، تحديداً نحن”. يقود هذا الكلام إلى الاعتقاد أن ثمّة تصفية حسابات قديمة بين الحليفين، تعود إلى محاولة الحريري الأولى لترشيح عون، وما تخللها من تحريض لرئيس القوات لدى السعودية على هذا الخيار. وهذا ما يعتبر محرماً بالنسبة إلى الحريري، خصوصاً أن أحداً لم يجرؤ قبل ذلك على تعكير صفو العلاقة بينه وبين المملكة العربية السعودية.
حتى اللحظة، تفضّل القوات “بلع الموسى” وعدم الاعتراف بما تضمره تجاه حلفائها. لكنها على الأقل تُقر بأن “الملامة الأكبر على العونيين، وليس الرئيس الحريري”. لا تزال معراب تتحدث بلسان صانعة الرؤساء “لم ندفع بعون إلى بعبدا، حتى سيادية ما يطلعنا”! أما بالنسبة إلى الحريري فتعتبر معراب أنه “لا يزال يحتاج إلى جعجع كحليف، لأنه لم يثبّت بعد علاقته بعون، ولم يحل مشكلته مع الرئيس برّي”، مع ذلك “لن نتحمّل تأخير انطلاقة الحكومة”. تعرف القوات حق المعرفة موازين القوى التي لا تسمح لها بالحصول على ما تريد. وهي ترجّح أن من يمنع عنها هذا الحق، فهو إما “يريد إحراجها لإخراجها، أو الضغط عليها كي تشتبك مع عون أو الحريري والفصل بينهما”. لكنها، بحسب ما تقول، “متنبهة جداً للمخطط الذي يحاك ضدّها، وعلى هذا الأساس، قبلت بقسمتها ونصيبها في الحكومة”!