لفتت لجنة متابعة الدفاع عن المكتبة العامة في البترون الى ان من المسلم به عند اغلب الباحثين ان المعرفة هي معيار الرقي الإنساني في الطور الحالي من تقدم البشرية. وان هذه المعرفة تشتمل، بشكل رئيسي، على الثقافة والتاريخ. وان البشر هم صانعو المعرفة ولكنهم أيضاً صنيعتها، وإذا كان صحيحاً ان وسائل الاتصال الحديثة (الانترنت وما اليه) هي مصدر معاصر لاكتساب المعرفة، فان مستودع المعرفة الحقيقي يبقى الكتاب واشكال الإنتاج الثقافي على تنوعه.
واضافت في بيان: “وهكذا فإن اقتناء الكتاب وامتلاك وسائل الاتصال الحديثة، هي من وسائل التنمية الإنسانية في مطالع القرن الواحد والعشرين. وبقدر ما نتعمق بالمعرفة من خلال الكتاب ووسائل الاتصال نتجاوز التخلف. ومن هذا الموقع ندخل الى النقاش في مسألة الغاء المكتبة العامة في البترون.
أولاً: خلفية تاريخية
في العام 1987 اتصل المرحوم المطران غريغوار حداد بالدكتور عصام خليفة – بصفته منسقاً لتجمع الهيئات الثقافية في لبنان ومسؤولاً اساسياً في الحركة الثقافية – انطلياس وعرض عليه اخذ المكتبة الموجودة في واحة الرجاء قرب المتحف في بيروت. وقد اتصل د. خليفة بالأستاذ كسرى باسيل رئيس بلدية البترون في ذلك الوقت وعرض عليه نقل المكتبة الى البترون لتكون نواة لمكتبة عامة في المدينة، فوافق على هذا الاقتراح فوراً. وهكذا تم نقل الكتب الى بلدية البترون التي قامت على أثر ذلك، باستحداث المركز الثقافي البلدي. وكلف بإدارة المكتبة زملاء اكفياء حتى العام 2001 في المركز الثقافة وكانت د. كلير يوسف امينة المكتبة وقد تم تسليم 17 الف كتاب في ظل مسؤولية السيد مرسلينو الحرك في ذلك الوقت. وقد وضعت الكتب في صناديق واعيد افتتاحها عام 2003 وفي ذلك الحين وقع البروتوكول بين الوزير غسان سلامه ورئيس البلدية.
وقد اخذت هذه المكتبة بالتوسع الى ان وصل عدد كتبها الى ما يزيد عن ثلاثين ألف مجلد وكتاب. ولن نتوسع في تبيان التضحيات التي قام بها الرئيس الأسبق كسرى باسيل ومساعديه والأساتذة الجامعيين من منطقة البترون، لتوسيع وتعزيز المكتبة دون تكليف موازنة البلدية أي مبلغ من المال، ولن نتوقف عند أهمية المجلة التي كانت تصدر في كنف المكتبة.
ثانياً، في الوضع القانوني للمكتبة
في ظل مسؤولية الدكتور غسان سلامه في وزارة الثقافة تم توقيع بروتوكول بين وزارة الثقافة والبلديات لإنشاء مكتبات عامة. وقد وقع عن بلدية البترون، مع الوزير سلامه، السيد مرسلينو الحرك.
في المادة الأولى تتعهد البلدية بان تبقي مكاناً للمكتبة واسعاً لا يقل عن مئة متر مربع. وتكون البلدية مسؤولة عن صيانة واعداد المكتبة ضمن احترام قوانين وأنظمة السلامة العامة المرعية الاجراء. (الفقرة من المادة 2). وفي الفقرة 5 من المادة 2 “تكون البلدية مسؤولة عن سلامة المواد الموجودة في المكتبة”. وفي الفقرة 7 من المادة 2 “تتعهد البلدية بإبقاء المكتبة العامة مفتوحة للجميع مدة 16 ساعة اسبوعياً على الأقل”. وفي المادة 8 من المادة 2 “تتعهد البلدية بتأمين الإعارة الداخلية والخارجية للكتب بدون أي مقابل”.
وبالنسبة لإدارة المكتبة نص البروتوكول على تشكيل لجنة إدارية مؤلفة من خمسة اشخاص على الأقل تتمثل فيها عدة جهات: التعليم الابتدائي، التعليم الثانوي، الصحة، جمعيات النساء، والشباب الخ… وهذه اللجنة تعالج كافة مشاكل المكتبة وتشرف على النشاطات وتقدم لوزارة الثقافة بيانات دورية عن نشاطاتها واحصاءات مختلفة.
وهناك المادة الرابعة وتتعلق بمنشطي المكتبة والمادة الخامسة تتعلق بمساعدة وزارة الثقافة. ويستنتج من هذا النص عدة حقائق:
1ـ ان المكتبة العامة في مدينة البترون هي وديعة عند بلدية المدينة ولا تستطيع التصرف بها الا وفقاً لمضمون البروتوكول الذي وقع عليه السيد الحرك والوزير سلامه.
2ـ واجب البلدية بحسب البروتوكول هو الحفاظ على موجودات المكتبة وسلامة هذه الموجودات.
3ـ هذه المكتبة تدار من قبل لجنة إدارية يتمثل فيها اغلب قطاعات المجتمع المدني في المدينة.
والحال ان بلدية البترون لم تنفذ مندرجات البروتوكول وخاصة لم تبادر الى تأليف اللجنة الإدارية للمكتبة كما انها لم تنفذ باقي النقاط الوارد في البروتوكول.
وإذا كانت المادة 49 من المرسوم الاشتراعي 118 تاريخ 30/6/77 (قانون البلديات) وتعديلاته قد نصت على ان يتولى المجلس البلدي انشاء المكتبات، وان يديرها ايضاً (في المادة 50)، فان البروتوكول الموقع مع وزير الثقافة يمنع رئيس البلدية والمجلس البلدي استعمال هذا الحق، ما لم يحصل على موافقة وزير الثقافة على قرار الإلغاء.
وعليه نحن نشك ان المجلس البلدي في البترون قد وافق على الإلغاء.
وإذا كان مدبجو البيان – الرد قد زعموا ان المكتبة العامة لم تلغَ وانما نقلت الى مبنى البلدية الجديد، فهذا الكلام يخبئ الحقيقة. فالحقيقة الساطعة التي يعرفها جيداً أبناء مدينة البترون هي ان الكتب التي كانت لا تقل عن 30 الفاً لم تعد موجودة، وان ما سيزعم انه مكتبة عامة في المبنى الجديد هو هياكل شكلية لعدد قليل من الكتب تم تركها لإخفاء الجريمة التي لا تغتفر.
وعليه فإننا نطالب بتطبيق المادة 103 من قانون البلديات التي تحمّل المسؤولية لرئيس المجلس البلدي إذا أخلّ بالواجبات التي تفرضها عليه الأنظمة والقوانين. وإننا نطالب الجهات المعنية برفع الحصانة عنه كمقدمة لتقديمه للمحاكمة الجزائية وتحمل كل عطل وضرر وهو لا يقل عن مليون دولار.
ثالثاً، في الرد على البيان الذي زعم انه صادر عن المجلس البلدي في مدينة البترون:
رداً على البيان الذي صدر بتاريخ 15/11/2016 نؤكد على ما يلي:
أ-في المنطلقات:
1ـ ان القضية التي ندافع عنها هي قضية بقاء المكتبة العامة ولا دخل لنا باي عمل سياسي. وتالياً لا يهمنا التبخير لأحد او مهاجمة أحد.
2ـ هناك أنظمة وقوانين تشكل المرجع والحكم وقديماً قال المثقف اللبناني الكبير خليل غانم للسلطان العثماني عبد الحميد: “الدستور والقانون فوق السلطان”.
3ـ هدفنا المركزي الانماء الثقافي من خلال المعرفة ومجتمع المعرفة. ودفاعنا عن المكتبة العامة هو دفاع عن جوهر الانماء المستدام لشباب ومواطني مدينة البترون ومنطقة البترون عموماً.
ب- في تفنيد ما زعم انه بيان المجلس البلدي في البترون:
1ـ نشك ان يكون المجلس البلدي بكامل أعضائه قد اتخذوا قراراً بتوزيع كتب المكتبة ومخالفة البروتوكول المشار اليه أعلاه والقوانين المرعية الاجراء.
2ـ وكذلك نشك بان يكون كامل الأعضاء قد اطلعوا على البيان – الرد. فبين أعضاء المجلس البلدي اشخاص هم موضوع احترام وتقدير من قبلنا.
3ـ اقر البيان بان السيد الحرك وهب كتب المكتبة لجهات عدة، وهذا امر يخالف القانون. والحقيقة انه وزع الكتب ليس فقط على المدارس بل على الافراد والمؤسسات ولدينا لائحة بأكثريتهم.
4ـ نحن نصر على اتهام من اخذ قرار الغاء المكتبة العامة وتوزيع محتوياتها بالدواعش. فما الفرق بين من ألغى مكتبة مدينة الموصل ومن ألغى مكتبة البترون. وبالنسبة لرمي الكتب في القمامة وعلى الطريق فهو امر موثق بالصور المنشورة على وسائل الاتصال، وسيتم تقديم عينات منها الى الجهات القضائية.
5ـ زعم البيان ان توزيع الكتب على المدارس حصل لتمكين التلامذة من الاستفادة منها. سؤالنا الم يكن بالإمكان افادة الطلاب داخل المكتبة العامة؟ علما ان بعض المدارس اخذ الواجهات وأجهزة الكومبيوتر وترك بعض الكتب مرمية على الأرض.
6ـ يتغنى البيان بالحفاظ على أرشيف محكمة البترون. وحقيقة الامر ان دواعش سابقين مروا على سرايا البترون وجمعوا أكياس الوثائق ورموها قرب مقر الريجي فوق البترون وأشعلوا النار فيها. ولولا قيامنا في ذلك الوقت المظلم بتخليص الكثير من تلك الوثائق وتكليف الزميل الدكتور ميشال ابي فاضل من قبل الجامعة اللبنانية تحت عنوان (مساعد باحث للدكتور عصام خليفة) بتصنيف اولي للوثائق والحفاظ عليها وصيانتها لكانت النار والاهمال قد قضى على جزء من تاريخنا. وفي هذا المجال نحيي عمل مركز ترميم الوثائق والمخطوطات وعلى رأسه الأب الدكتور جوزف مكرزل، ونكون جد مسرورين بتصنيف علمي للأرشيف المذكور وايداعه مع ذاكرة البترون التاريخية، ووضعه بمتناول الباحثين. وعند ذلك نحيي ونشكر من يقوم بهذا العمل.
7ـ يكرر البيان الرد على ان من أصدر البيان الذي طرح فضيحة المكتبة هو (مجهول الهوية)، وان ليس لهم “الجرأة على كشف هويتهم المجهولة” ويصف المدافعين عن المكتبة بالحاقدين. وعلى ذلك نجيب
ـ هناك عشرات ومئات من المثقفين البترونيين الذين سيوقعون قريباً عريضة تستنكر ما حدث وتطالب الحفاظ على المكتبة.
ـ ماضي المدافعين عن المكتبة العامة ناصع كثلج صنين. فهم لم يدمروا النواويس والمقابر التاريخية القديمة لمدينة البترون ولم يردموا الأملاك العامة البحرية التي هي ملك عام ويحولوها الى ملك خاص. ويقيموا على انقاضها المصالح الخاصة.
ان المدافعين عن المكتبة العامة هم مثقفون أكاديميون نقابيون يعرفهم الرأي العام ويعرف صدقهم واخلاصهم، وان بضاعة الكذب والسرقة والتضليل لا تمت إليهم بصلة بقدر ما تمت الى من يشتري فقر الناس ويستغل بؤسهم
ـ وعلى كل حال هناك حملة شهادات من المتكسبين في بلاط أصحاب المال الحرام، يأخذون منهم الفتات ويدبجون لهم الاضاليل مقابل حفنة من الدولارات وهم ايضاً معروفون من الرأي العام.
على كل حال اننا ننصح السيد مرسلينو الحرك ان يستعيد الكتب التي وزعها هنا وهناك ويودعها حيث كانت في المكتبة العامة، وان ينفذ مضمون البروتوكول المعقود مع وزارة الثقافة. واذا لم يفعل ذلك فمعركتنا معه عبر القضاء من جهة، وعبر كل أساليب الضغط الإعلامية والديمقراطية المختلفة من جهة أخرى.