Site icon IMLebanon

فصول من الإذلال في جمهورية الانفصام! (بقلم يورغو البيطار)

 

بقلم يورغو البيطار

كان يمكن لوزير الخارجية في الحكومة المستقيلة جبران باسيل، وهو العائد بأي حال إلى منصبه في حكومة الرئيس سعد الحريري، أن يخفف من وطأة شعور قسم كبير من اللبنانيين بالاستغباء جراء تصريحاته في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس وزراء مصر سامح شكري. التصريحات التي شددت على التزام لبنان “بميثاق الجامعة العربية وعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى” كانت لتمر مرور الكرام لو لم تأتِ بعد ساعات على عراضة “حزب الله” بالسلاح الثقيل وبالملالات المشكوك بمصدرها في القصير السورية في رسالة تحدّي للجميع حتى لو تم نفِي تصريح الشيخ نعيم قاسم عن “اهدافها”!

تصريح باسيل المتجاهل تماماً لأي دور لـ”حزب الله” في المذبحة السورية والمعارك في أنحاء عدة في المنطقة ليس سوى جزء يسير من ملامح مرحلة مقبلة تبدو معالمها شديدة الميل لمصلحة الحزب وحلفائه. فالمنطلقات التي تؤدي لهذا الاستنتاج باتت ظاهرة للعيان بحكم الأمر الواقع، إذ أنّ ما لم يتم نفيه من تصريح قاسم لا يقلّ خطورةً عما طلِب إلغاؤه من التصريح، فنائب أمين عام الحزب يقول مثلاً ان مسألة تدخل الحزب في سوريا لم يعد موضع نقاش بين الأوساط اللبنانية.

وهنا تتبين دقة كلام قاسم في هذه الجزئية حيث ان الامتهان المريع لكرامة الدولة اللبنانية جراء عرض “حزب الله” الضخم لم يثر حفيظة أي مسؤول رسمي لبناني من رأس الهرم ونزولاً (باستثناء الوزير المستقيل أشرف ريفي).

إنّ “إذلال” منطق الدولة اللبنانية في بداية عهد جديد ليس أمرا عابرا بل يجدر بمن يعتبرون أنفسهم “حاملي منطق العبور الى الدولة” أن يعيروه على الأقل جزءاً من اهتمامهم بدل التلهي في مستنقعات مكاسب السلطة المرحلية. كما لا بد من التوقف امام “الكارثة” التي نقِلت عن الحزب ومفادها بأن “الرئيس القوي” هو من أدى لنقل الاستعراض الى سوريا! فهل ثمة إهانة أكبر لمقام الرئاسة وسط شعارات “الجمهورية القوية” الرنانة؟

في السياق نفسه، لا يبدو التعاطي مع ملف تشكيل الحكومة أقل “إذلالاً” من قِبل الحزب، قائد مايسترو محور الممانعين في لبنان.. فها هي الشروط تُفرَض والفيتوهات توضع يميناً ويساراً حسب ما يشتهيه هؤلاء من دون أن نسمع حتى “انتفاضة كلامية” بوجه مصنّفي اللبنانيين والأحزاب بين من يحقّ تولي هذه الحقيبة او تلك وبين من يعتبر ادنى مرتبة لتوليها!

أسئلة مدوية بدأت تطرق أبواب العهد الجديد جراء هذا المشهد الذي لا يبشر بالخير خصوصاً وان التعهدات التي أعطيت قبل تنفيذ “الصفقة” الرئاسية أمست واضحة ومعروفة وهي تكاد تلفظ أنفاسها الاخيرة. فهل أن كل الشعارات التي أعطيت للمرحلة ستصبح عما قريب في خبر كان؟ وهل نتجه إلى تكرار ممجوج لتجربة الوصاية السورية المنتقلة إلى عباءة إيرانية؟ كل المعطيات تتجه بسرعة نحو هذا المسار الذي لن يقدم اي نموذج جديد أو حتى أمل بغد أفضل للبنانيين فخيوط اللعبة الحالية تبدو وكأنها تجربة خيضت سابقا خلال فترات كثيرة من حكم الرئيس الشهيد رفيق الحريري فكانت النتيجة كارثية على البلد في شتى الأصعدة وأدت للانفجار الكبير.

على بعد أيام قليلة من استقلال وطن الأرز، يبدو المشهد اللبناني أقرب الى السوريالية! انتخاب رئيس وتكليف رئيس حكومة ومشاورات حكومية مكثفة وتحضيرات حفل الاستقلال وشعارات النأي بالنفس والإصلاح والعز والعنفويات مقابل عرض عسكري ضخم لحزب “لبناني” مسلح في أرض غريبة “على عين” كل المسؤولين والدولة والجيش والشعب وفيتوات على أطراف داخلية تحت الف حجة. مرحبا بكم في جمهورية الانفصام.