Site icon IMLebanon

هل آن الأوان لكشف مَحاضر “الطائف”؟

 

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: بعد 27 عاماً من المواجهة، دخل رئيس الجمهورية ميشال عون في مصالحة «مفاجئة» مع «اتفاق الطائف». لكنّ تحقيق المصالحة فعلاً لا يكون «على زغل»، بل بمكاشفة شاملة وكاملة حول «الطائف»، أي بوضع كل الأوراق القديمة على الطاولة، فيعرف كل طرفٍ ما له وما عليه. فهل هناك استعداد لدى بعض اللاعبين لتغيير قواعد اللعبة التي اعتاد عليها منذ عشرات السنين؟في «اتفاق الطائف» بنود جرى تنفيذها بدقّة، وأخرى جرى تنفيذها مشوّهة، وأخرى لم تنفَّذ على رغم الرغبة في تنفيذها، وأخرى لم تنفَّذ لرغبةٍ في الهروب. وفوق كل ذلك، لم تزل محاضر المؤتمر واللقاءات التي سبقته طيّ الكتمان منذ 27 عاماً.

فلماذا يجب كشف المحاضر؟

المعنيون بالدستور يقولون: هناك نصوص الطائف، وهناك «روح الطائف» التي تكشفها النصوص أحياناً، لكنها غامضة في معظم الأحيان. وما تعجز النصوص عن إيضاحه يمكن أن تفسِّره المحاضر المطويّة في الأدراج منذ أكثر من ربع قرن. ولكن، تحوم التكهنات والتخمينات حول مضامين هذه المحاضر، من دون أن يتمكن أحد من إثباتها أو نفيها.

وإذا كان وصول عون إلى الحكم قد قطع الطريق على المسار نحو المؤتمر التأسيسي، وفق ما يعتقد المتفائلون. فإنّ أولى الخطوات المنطقية في استعادة الدولة ومنع الانزلاق إلى هذا المؤتمر هو التفاهم حول دستور الطائف وكشف خفاياه، ما ينهي الوساوس بين القوى الطائفية والمذهبية، ويبدّد انطباع بعضها بوجود رغبة لدى البعض الآخر في الاستئثار بالسلطة. وفي هذا الإطار، يأتي الكشف عن محاضر الطائف في درجة أولى من الأهمية.

الرئيس حسين الحسيني يحتفظ بهذه المحاضر في أدراجه، وهو لا يرغب في كشف محتوياتها، لأنّ بعض الذين شاركوا في الاجتماعات وصياغة الاتفاق ما زالوا على قيد الحياة، وربما هم لا يريدون الكشف عن مواقفهم الحقيقية وعمّا قاموا به في المؤتمر، لأنّ ذلك يعرِّضهم للخطر.

والمحاضر الأكثر حساسية هي تلك التي تشمل وقائع الاجتماعات والاتصالات التي جرت عشية عقد المؤتمر، والتي شارك فيها البطريرك مار نصرالله صفير والرئيس الحسيني، والتي انتهت بالبنود التي حظيت بموافقة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وجرى اعتمادها أساساً للاتفاق.

كما تتضمّن في شكل خاص أعمال 21 يوماً من النقاشات في مدينة الطائف السعودية، والتي كان فيها دور أساسي لما سمّي يومذاك «لجنة العتّالة» التي تضمّ 18 نائباً. وهذه النقاشات التي انتهت بتوقيع الاتفاق، كانت تحظى بموافقة القوى المعنية لبنانياً وإقليمياً. وأعضاء هذه اللجنة هم الذين أقرّوا سرّية محاضر الطائف، خوفاً على أنفسهم.

ويؤكد الرئيس الحسيني أنّ المحاضر باتت جزءاً من محاضر جلسات المجلس النيابي، وأنّه يجب إبقاؤها سرّية إلا في أحد خيارين: إمّا أن تطلب غالبية النواب الذين شاركوا في الاجتماعات نشرها، وإمّا أن يكون وضع لبنان قد بات مستقرّاً بحيث لم يعد هناك خطر على النواب المعنيين.

 

لكنّ هذا المنطق بات يلقى مزيداً من الاعتراض. وفي رأي كثيرين أنّ الحجج المعطاة للاستمرار في التعتيم على المحاضر لم تعد مقنعة بعد 27 عاماً من الاتفاق، للأسباب الآتية:

1- إنّ العديد من النواب المعنيين لم يعودوا على قيد الحياة، وهناك آخرون باتوا في وضعية التقاعد.

2- إنّ الظروف السائدة اليوم مختلفة تماماً عن تلك التي كانت قائمة يومذاك، والقوى التي كان يُخشى أن تقوم بردّات تستهدف هؤلاء النواب لم تعُد هي نفسها، وبعضها بات داعماً للطائف.

وأمّا دمشق فليس معروفاً ما إذا كانت قد حصلت على نسخة من المحاضر «بطريقتها» أم لا، علماً أنها هي التي احتكرت المسار الذي انتهجه تنفيذ الطائف، خصوصاً بعد استشهاد الرئيس رينيه معوّض الذي أدى إلى زوال «الطائف السعودي» واعتماد «الطائف السوري».

3- إنّ التغاضي عن نشر المحاضر بات يخلق إشكالات في تفسير الدستور أشدّ خطراً من عملية النشر. وتالياً، من ناحية المصلحة الوطنية العليا، إنّ نشر المحاضر يسهّل التوصل إلى تفاهمات وطنية واضحة ومبنية على أسس لا التباس فيها.

4- لا يمكن الركون إلى حسن تنفيذ الطائف وعدالته من دون كشف المحاضر، خصوصاً أنّ الحسيني نفسه يؤكد وجود ثغرات ومخالفات فادحة رافقت تنفيذ الطائف منذ 1990. وما يجري اليوم هو أنّ قوى معينة من هنا وهناك، تعلن من طرف واحد عن بنود ووقائع تقول إنها واردة في المحاضر. ولكن، هل هناك قدرة لأيّ طرف آخر على تأكيد ذلك أو نفيه؟

5- إنّ أحداً في لبنان اليوم لم يعد معادياً للطائف، بدءاً بالرئيس عون الخصم الأكبر للاتفاق، والذي دشّن عهده بإطلاق وعدٍ بتنفيذه كاملاً.

6- إنّ محاضر الطائف هي جزء من عملية بناء السلطة وترسيخ الميثاق الوطني، وتالياً هي ليست ملكاً لأيّ طرف أو شخص، بل هي ملك للدولة واللبنانيين جميعاً ومن حقهم الاطّلاع عليها ليبنوا عليها مستقبلهم. كما مِن حقّهم أن يعرفوا- للتاريخ- دور كل طرف في الاتفاق، سواء كان سلبياً أو إيجابياً. فالمحاسبة هي الأساس في النظام الديموقراطي.

لقد استفادت قوى محلية وخارجية من التنفيذ السيئ للطائف على مدى أكثر من ربع قرن، ودمشق في المقدمة. وفي تقدير البعض أنّ نشر المحاضر اليوم، وجعلها جزءاً أساسياً من عملية الحوار الوطني المنشودة، والتي سيرعاها الرئيس عون، من شأنه فتح الباب لإعادة الطائف إلى مساره الأساسي. وفي أيّ حال، إنّ إيجابيات الكشف عن المحاضر ستفوق السلبيات بكثير.

ولكن، هل المستفيدون من التنفيذ المشوَّه، في شكل متمادٍ، سيقبلون بالتخلّي عن مكاسبهم ويعودون إلى تنفيذ طائفٍ أكثر توازناً، ما لم يتعرضوا لضغوط تدفعهم إلى ذلك؟

بعبارة أخرى، هل إنّ بعض القوى الذي وقف ضد وصول عون إلى السلطة سيقف أيضاً ضد رعايته تنفيذ الطائف في شكل أكثر توازناً، وهو الذي تعهّد في خطاب القسَم بتنفيذ الاتفاق «كاملاً وفي شكل غير استنسابي»؟

يقول البعض: إنّ الإصرار على إخفاء محاضر الطائف «إلى أن تسمح الظروف بذلك» يشبه الإصرار في مراحل سابقة على إبقاء القوات السورية في لبنان إلى أن تسمح الظروف بذلك. إنها نظرية «الشرعي والضروري والموقّت»، فهل تستمرّ بوجهٍ آخر؟