Site icon IMLebanon

فالج النظام.. وزمن التكفير

كتب واصف عواضة في صحيفة “السفير”:

لم يكن من الطبيعي أن تتشكل الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون بأيسر السبل. بل من الطبيعي جدا أن يأخذ تشكيل هذه الحكومة كل هذا الجدل حول الحصص والحقائب في ظل نظام سياسي طائفي يعتمد التسويات سبيلا لإدارة الحكم والبلد.

في المبدأ، من حق كل المكوّنات السياسية أن تطلب حصة وازنة في الحكومة في ظل هذا النظام الذي يعتمد ما يسمى زورا وبهتانا “الديموقراطية التوافقية”، اذ ليس في العلم السياسي القويم ديموقراطية توافقية، فإما ديموقراطية وإما توافقية. وما اعتمدت هذه الصيغة في بلد إلا وكان نصيبه توليد أزمات تبدأ ولا تنتهي، تماما كما هو حال لبنان وبعض الدول العربية التي غزاها “الربيع العربي” في السنوات الماضية. والتجارب التونسية والليبية والسورية والعراقية واليمنية أكبر برهان على ذلك. هذه الدول التي انبهرت شعوبها بالنموذج اللبناني، فكان نصيبها الحروب المستعرة أو الأزمات التي تفرّخ كالعشب على ضفاف غدير ماء.

لا يعني هذا الكلام أن التجارب الديكتاتورية الأحادية الجانب هي أفضل حالا من التوافقية، بل إن النموذج الديموقراطي السليم هو الأصلح، حيث الموالاة والمعارضة تتصارعان وتتناغمان في سبيل خدمة البلاد والعباد.

منذ العام 1943 حيث ارتُكبت التسوية اللبنانية الكبرى تحت شعار الميثاقية، ما يزال لبنان يستولد تسويات بعيدة كل البعد عن الحلول. حتى اتفاق الطائف الذي أريد منه حل أزمة النظام في لبنان، توقف عند التسوية، وجرّ على البلاد أزمات أين منها الأزمات التي حضرت ما قبل الطائف، فصار انتظام المؤسسات الدستورية أكثر صعوبة مما كان عليه سابقا، مع ما يعكس ذلك من أزمات اجتماعية واقتصادية يعاني منها اللبنانيون، حتى أنها تبدو عصية على الحل، وهي أتفه من أن تتوقف عندها الدول، حتى المتخلف منها، ولعل النفايات واحدة من هذه النماذج المضنية.

ومع ذلك كله يعوّل اللبنانيون كثيرا على العهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون، ويتطلعون الى المستقبل بأمل كبير، خاصة أن شعار الإصلاح والتغيير هو الذي يطبع الثقافة السياسية لهذا المكوّن الأساسي من مكوّنات البلد.

إلا أن دون ذلك عقبات وحواجز وسدودا كثيرة، تتلخص في طبيعة هذا النظام الذي قلّ نظيره في العالم. فلا هو ديموقراطي، ولا هو ديكتاتوري، ولا هو بين ما بين. نعم فيه من الحريات ما يقارب الفوضى، ولكن فيه من الثغرات ما يجعل الأزمات عصيّة على الحل، لدرجة تحمل العقلاء على ألا يحسدوا العماد عون على هذا الموقع ولا على هذه الأحمال الثقيلة. فلا يكفي أن تكون حاكما عادلا، بل من الضروري أن تكون هناك أرضية صالحة للحكم العادل. والتجارب التاريخية أكبر برهان على ذلك.

وعلى الرغم من ذلك، سوف تتشكل الحكومة، وتنال الثقة، وتضع الأزمات على جدول أعمالها وتخترع لها تسويات مرحلية ما تلبث أن تنهار عند أول مفترق. هي دوامة مزمنة سوف تدور في حلقة مفرغة ما دام هذا النظام السياسي يحكم البلد ويتحكم فيه، وما دام مجرد الحديث في صيغة أفضل، يكاد يعادل الكفر بالنسبة لبعض القوى والمكونات السياسية والطائفية. أوليس هذا زمن التكفير؟