كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:
لم تمض ساعات على الزيارة التقليدية الاحتفالية التي قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى الصرح البطريركي في بكركي، والمتزامنة مع انتهاء أعمال مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، حتى حلّ البطــريرك الماروني الكاردينال بشــارة الراعي ضيفا في القصر الجمهوري ومعه المطارنة الموارنة في زيارة عنوانها التهنئة ومضمونها الدعم للرئاسة الأولى.
زيارة رئيس الجمهورية الى بكركي سبقها كلام ضجت به الصالونات السياسية ومواقع التواصل ووسائل الاعلام عن انتظار بكركي قيام الرئيس بالزيارة أولا أو أن الرئيس عون ينتظر أن يبادر البطريرك أولا، وجاء التوقيت وفق صيغة محكمة بعد اختتام اجتماعات مجلس البطاركة والأساقفة حيث التقى عون جميع المشاركين بعدما كانوا قد زاروه في بعبدا مهنئين، وبعدما كان وفد من المطارنة الموارنة زار عون مهنئا باسم البطريرك، فكان من البديهي أن يردّ البطريرك زيارة عون الى بكركي.
وخلافا لما قيل بأن الزيارة هي قبيل توجهه الى المطار للسفر الى إيطاليا من ثم فرنسا، تعمّد الكاردينال الراعي أن يحضر الى بعبدا صباحا علما أن سفره مقرر بعد الظهر ثم يعود الى بكركي حتى لا يقال إنها زيارة تقليدية قبل سفره الى الخارج.
وليس خافيا على أحد أن العلاقة بين الرابية وبكركي قبل انتخاب عون رئيسا مرّت بفترات صعود وهبوط، أما بعدما صارت علاقة بين بعبدا وبكركي فمن البديهي جدا أن تصبح مختلفة جذريا، “وبالتالي، سنكون أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين الرئاسة الاولى والصرح البطريركي، إذ ليس سرّا أن وجود عون في سدّة الرئاسة يعطي قوة دفع كبيرة للمسيحيين في لبنان خصوصا أن الاكليروس الذين كانوا دائما بعد الطائف يشكون ضعف وضمور الحضور المسيحي في الدولة وفي صياغة القرار الوطني، عبّروا صراحة عن ارتياحهم لوصول رئيس جمهورية يمتاز بتمثيل واسع مسيحيا بعدما نجح في صياغة تفاهمات مع الشركاء في الوطن”.
والكلام في الخلوة بين عون والراعي ثم في اللقاء الموسع مع المطارنة أظهر أن سقف البطريرك ليس بعيدا من سقف الرئيس في ما خص رئاسة الجمهورية، علما أن عون “لم يتصرف يوما من منظار طائفي، ولكن بالنتيجة يمثّل غالبية المسيحيين ولا يمكنه إلا أن يكون أمينا لهذا التمثيل ذي التوجه الوطني، وكلام الراعي الذي وجهه على مسمع المطارنة لعون وهو يودعه عند مدخل صالون السفراء في القصر الجمهوري يعبّر بقوة عن مدى الرهان على شخص رئيس الجمهورية في خلال ولايته الرئاسية، إذ قال البطريرك “فخامة الرئيس، صلاتنا دائمة لكم ونحن في التصرّف في كل ما ينجح العهد ويسهّل مهمتكم”.
ولم يكتف الراعي بالدعم الكامل للعهد بشخص العماد عون، بل تعمّد في كلامه أمام وسائل الإعلام قطع دابر التأويــلات للسجال الذي أعقب موقفه في بكركي، وإذ تمــنى أن يوفق عون في تحقيق أمنيات اللبنانيــين وآمالهم، أشار الى أنه “لم ير سببا للرد الذي تنــاول كلامه في بكركي” أمس الاول، وقال “إنه استغرب الموضوع”. وأتبع ذلك بلوم مبطن ومســتغرب للإعــلام والإعلاميين الذين توجــه اليهــم بالقــول بوجوب “تجنب لغة استنــباط الخــلافات والمعارك.. حيث لا توجد”!
تخللت زيارة الراعي خلوة بينه وبين عون ثم اجتماع موسع حضره مطارنة الطائفة المارونية، وهنأ البطريرك عون خلاله بعيد الاستقلال، وقال: “لدى دخولنا الى باحة القصر، شعرنا بأن الحياة والكرامة عادتا الى هذا المقر – الرمز، وكل ما نتمناه هو أن توفق فخامة الرئيس في تحقيق أمنيات اللبنانيين وآمالهم”.