كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
وحدها الصّدفة في 2 شباط 2012 لعبت دورها في كشف النّقاب عن قضيّة تهريب المازوت في الجيش.
في حاجز يقع بين منطقتي الشمال والبقاع، قرر النقيب آمر السريّة إجراء تفتيش مفاجئ على عسكريي نقطة التجمّع ليعثر بحوزة أحد المجنّدين على مبلغ 300 ألف ليرة و200 دولار أميركيّ، ممّا أثار ريبته حول مصدر المال، ولتبدأ عندها التحقيقات والتحريّات.
وما تخوّف النقيب منه، سرعان ما تحوّل حقيقة، عندما اعترف ضابط و9 عسكريين أنّهم كانوا يتقاضون الرشى مقابل إدخال الصهاريج وعدد من سيارات “البيك أب” المحمّلة بالمازوت من دون أن يسجَّل مرورها على السجلّات المخصصة لتسجيل الآليات المحمّلة بالأغراض ولا حتّى التأكّد من صحّة الفواتير التي يحملها السائقون.
والأنكى أنّ تسعيرة المرور كانت زهيدة، إذ إنّ هؤلاء اتفقوا مع المهربين على تقاضي 100 دولار أميركي عن كلّ صهريج و50 ألف ليرة عن كلّ «بيك أب» محمّل بالمازوت، ليتقاسمها الضابط مناصفةً مع المجنّد المسؤول عن الحاجز بالإضافة إلى إعطاء مبالغ ماليّة لا تتعدّى الـ10 آلاف ليرة لكلّ عسكريّ مقابل سكوته!
بدأ الأمر بحسب المهرّبين مع المجنّد الذي كان يتردّد إلى دكّان مجاور تعود ملكيّته إلى أحد المهربين، ليعرض عليه موضوع تسهيل مهام إدخال البضائع (كالخضار والمأكولات)، مقابل مبالغ ماليّة.
اتّفق الطرفان على هذا الموضوع لتكون البداية من الخضار والمأكولات قبل أن يتطوّر الأمر إلى تهريب المازوت.
وفي إحدى المرّات، شعر الضابط بأنّ المجنّد يرتشي لقاء تسهيل مهام المهربين، فعمد إلى سؤاله عن ماهيّة الصهريج الذي عبر الحاجز من دون أن يجد إجابة شافية. وبعد قليل اتصل المهرّب بالمجنّد طالباً منه أن يسهّل له دخول “بيك أب” جديد، فرفض بحجّة أنّ الضابط شكّ بالموضوع، وما كان من المهرّب إلّا أن أجابه بأنّه سيتولّى أمر الضابط.
وهذا ما حصل فعلاً، إذ لاحظ المجنّد مرور “بيك أب” محمّلا بالمازوت، فتوجّه إليه المهرّب بالقول: “مش كان أحسن تاخذ المصاري بدل ما ياخذها هو”.
حينها، صار التّهريب على المكشوف بعد أن دخل المجنّد إلى الضابط الذي أكّد له أنّه التقى المهرّب في دكانه، حيث سلّم عليه ودسّ له 100 ألف ليرة بيده، واتفقا أن يتقاسما المبالغ مناصفة، واشترط الضابط على المجنّد أن يحيل إليه المهرّب.
وهكذا، حصلت عمليّات التهريب مقابل مبالغ ماليّة تعطى للضابط نقداً أو بتحويلات نقدية عبر أحد مكاتب تحويل الأموال (وهو ما ثبت على الضابط بعد مراجعة سجلّاته) من دون أن تتعدّى هذه المبالغ الـ450 ألف ليرة لبنانيّة!
في إفادته الاستنطاقية، نفى المهّرب أنه كان يُعطي الرشى للضابط والعسكريين، مشيراً إلى أنّه كان يملك محلاً لبيع الدجاج بالقرب من الحاجز. ولذلك، كان يشتري لهم الدخان ويعطيهم الدجاج، مضيفاً: “كنت أخجل حينما يطلب مني أحد العسكريين فروجاً، أو أطالبه بالمبالغ المتبقيّة عليه”!.
هذه الإفادة سرعان ما غيّرها المهرّب الذي عاد وأكّد أنّه كان يُعطي الرشى للضابط والعسكريين مقابل تهريب الخضار، نافياً أمر المازوت.
الجمعة، 18 تشرين الثاني 2016، أنهت المحكمة العسكريّة هذا الملفّ بعد 4 سنوات من حصول الواقعة. جميع المدّعى عليهم نفوا أمر قبضهم الرشى، ما عدا أحدهم من العسكريين الذي قال: “أنا كنتُ وسيلة، ولكن لم يكن في نيّتي ذلك”.
أمّا الضابط المدّعى عليه، فأشار إلى أنّ كلمة رشوة بعيدة عني، لافتاً الانتباه إلى أنّه اتفق مع المجنّد على تقاسم المبلغ “كي أكشف الشبكة وأوقعها”!.
وعن المبلغ الذي تلقّاه عبر أحد مكاتب التّحويل، لم يستطع الضابط الإنكار، إلّا أنّه لم يعط إجابة واضحة. فروى أنّه تلقّى رسالةً من شخص مجهول وتضمّنت وجود مبلغ من المال ليستلمه مع رقم الحوالة، وما كان منه إلّا أن “استلمتُ المبلغ من دون معرفة مَن أرسله وهدفه ومن دون أن يكون لديّ الوقت لأفيد قطعتي، على اعتبار أنّه تم توقيفي بعد أيّام قليلة”، مضيفاً: “كان يمكن ترك المبلغ من دون استلامه، ولكن هذه ليست غلطة”!.