كتبت رولا حداد
يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان يفضل لو بقي موقع رئاسة الجمهورية فارغاً. هذا هو الاستنتاج البسيط الذي يمكن أن يخرج به أي مراقب لمجريات الأمور على خط تشكيل الحكومة الأولى في العهد الجديد.
ولعل الخطورة الأبرز تكمن في أن بري، والمفوّض بشكل علني من “حزب الله” للتفاوض حول تشكيل الحكومة، لا يبدو معنياً بتفاصيل الحكومة بقدر ما هو معني بتثبيت أعراف لا علاقة لها بـ”الطائف” لا من قريب ولا من بعيد، وذلك في محاولة لتكريس مكاسب للطائفة الشيعية من خارج وثيقة الوفاق الوطني والدستور الذي كرّسته.
وفي تفاصيل مناورات بري على هامش تشكيل الحكومة، يهمل رئيس المجلس واقع أنه يتحكّم بمفاصل السلطة التشريعية بشكل كامل، ونحن في نظام برلماني ديمقراطي، ويصرّ على الانتقال إلى الهجوم على السلطة التنفيذية التي باتت في يد مجلس الوزراء مجتمعاً برئاسة رئيس الحكومة وبالتنسيق مع رئيس الجمهورية الذي حفظ له دستور الطائف حق توقيع مرسوم تشكيل الحكومة، إضافة الى الاطلاع مسبقاً على جدول أعمال الجلسات وترؤسها متى يشاء. وفي هذا الإطار من الواضح اليوم، كما في الممارسات منذ ما بعد “الطائف” إلى اليوم أن رئيس مجلس النواب الذي يحتكر مفاتيح المجلس ويغلقه أو يفتحه كما يشاء، يصرّ على أن يدخل شريكاً مضارباً في السلطة التنفيذية تحت طائلة التهديد بـ”الميثاقية”، ويسعى إلى إخضاع مجلس الوزراء لرغباته، سواء عند التشكيل أو حتى عند طرح كل الملفات على جدول أعماله.
وفي حين حفظ “الطائف” لمجلس النواب برئاسة رئيسه صلاحيات مراقبة عمل الحكومات، ومنحها الثقة أو حجبها عنها وإسقاطها، أو حتى حجب الثقة عن أي وزير، وذلك في إطار المهام الرقابية الموكلة للمجلس إضافة الى واجباته التشريعية والتي بموجبها يستطيع تكبيل عم السلطة التنفيذية بموجب القوانين والتشريعات التي يصدرها، فإن رئيس المجلس يصرّ على خرق مبدأ فصل السلطات إلى درجة أنه يصرّ على رئاسة المجلس منذ ربع قرن، ويعمد بالتوازي إلى محاولة فرض “ترويكا” رئاسية كان كرّسها منذ أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي.
ويبدو اليوم أن الرئيس نبيه بري يحاول إعادة عقارب الساعة الى الوراء من خلال محاولة العودة الى “الطائف السوري” بغطاء من سلاح “حزب الله” هذه المرّة، وقد لا يكون العرض العسكري الأخير لـ”جزب الله” بعيداً عن توجيه مثل هذه الرسائل التي قال عنها الشيخ نعيم قاسم إنها موجهة الى الجميع، وذلك بهدف محاصرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالدرجة الأولى، ومحاولة إسقاط عهده في أسابيعه الأولى وفرض الشروط عليه، وذلك تفادياً لتكريس صورة “الرئيس القوي”، ومنع عودة المسيحيين كشركاء أصيلين في السلطة والعودة بـ”الطائف” إلى التطبيق الصحيح بعيداً عن التشوهات الناجمة عن أي وصاية خارجية أو داخلية.
وفي هذا السياق يعمد بري إلى تطويق رئيس الجمهورية بسبسلة مطالب، بدءًا برفض المداورة ومحاولة تكريس “حق شيعي” بالاحتفاظ بتوقيع وزارة المال، مروراً بوضع فيتوات على منح وزارات لبعض الأطراف كـ”القوات اللبنانية” لمحاولة فك الارتباط بين الرئيس عون و”القوات” وإضعاف التحالف المسيحي، وصولاً إلى محاولة فرض حصص وحقائب لأطراف خارج أي منطق سياسي في محاولة لإضعاف رئيس الجمهورية.
يبقى السؤال الأساسي عن مدى قدرة رئيس الجمهورية وعزمه على منع إسقاط عهده لا بالضربة القاضية ولا بالنقاط في شهره الأول، وبالتالي مواجهة خطة بري وحلفائه بالإصرار على تطبيق الطائف بكل مندرجاته ونصوصه الواضحة وصلاحياته الصريحة، ومنع أي كان من فرض أمر واقع جديد يعيد لبنان ربع قرن الى الوراء!