كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
باستثناء الياس سكاف وميشال فرعون، لا يمكن لأي من الوزراء الكاثوليك الذين دخلوا حكومات ما بعد الطائف حتى الآن، أن يدّعي أنه دخل الجنة الحكومية، بعضلات أبناء طائفته.
في معظم الحالات، يكون هؤلاء بمثابة «هدايا آخر الحسبة» التي تقدّم للزعامات المسيحية وللأحزاب الكبيرة، خصوصا المارونية، كي تكمل صورتها الحكومية. فيخرجون من الحكومة كما يدخلونها، تحت جناحي المارونية السياسية، ولا شيء من كاثوليكيتهم الا الإشارة الواردة في خانة الطائفة على الهوية.. ونقطة على السطر!
هكذا يمكن تعداد رزمة من الأسماء الكاثوليكية التي حظيت بنعمة الوزارة، وعادت من بعدها الى أدراج النسيان، لتلتحق بنادي الوزراء السابقين، المدرجين على «لائحة الانتظار»، عسى أن يعيد واحد من زعامات الموارنة نفض الغبار عن إسم من أسماء هؤلاء «المباركين».
بهذا المعنى، كان الان حكيم كتائبياً قبل أن يكون كاثوليكياً. قبله، في حكومة نجيب ميقاتي، كان شربل نحاس فلتة الشوط والمشاغب الرافض أصلاً للتصنيف الطائفي، ونقولا الصحناوي العوني الذي حاول جاهداً حفر جبل حيثيته البيروتية بإبرة حضوره الحزبي وسواعد زياد عبس، فيما نقولا فتوش نجح في فرض معادلة أن يكون وزيرا ممثلا لصوت نيابي واحد، يستمد مشروعيته من حيثيته الزحلية!
في حكومة سعد الحريري، لم يختلف الأمر، كان ميشال فرعون ممثلاً لـ «كتلة لبنان الواحد»، وليس للزعامة الكاثوليكية، الى جانبه شربل نحاس، وسليم وردة المُسقط بـ «باراشوت القوات».
كثيرة هي المتغيّرات التي فرضت على الساحة الكاثوليكية «الذوبان» في «الطبق» الماروني، وجعلها غير قادرة على انتاج دور متمايز، تبدأ من «تشتت» أبناء هذه الطائفة بقاعاً، جنوباً، جبلاً وعاصمة، وافتقادهم إلى «العصبية» الكافية لشدّ مذهبيتهم، ولا تنتهي في «هيمنة» الصوت الماروني على البيت المسيحي بشكل عام، بفعل «تواضع» حضور الزعامات الكاثوليكية المعروفة تاريخيا بقيمة حضورها الاقتصادي والأرثوذكسية التي انغمست سابقا في الصحن القومي والعروبي من المحيط الى الخليج وانتهت تدافع عن «القانون الأرثوذكسي»!
وفيما ثبّت «اتفاق الطائف» توزيع الحصص الطائفية في وظائف الفئات الأولى والوزارات، انتزع وزارات الدفاع والخارجية ورئاسة جهاز الأمن العام وقيادة الدرك والأمانة العامة لوزارة الخارجية ورئاسة الجامعة اللبنانية من حصّة الكاثوليك، وحصر حصّة هذه الطائفة في قيادة المديرية العامة لأمن الدولة، الباحثة راهناً عن مرجعية مارونية تحميها!
تلك كانت بدايات انحسار طائفة كانت شريكة أساسية في القرار الوطني، وقد أنتجت قيادات بارزة من قماشة الزعامات الكبيرة. كان جوزيف سكاف زعيماً بقاعياً يتخطى حدود طائفته يصل عدد كتلته إلى 19 نائباً من مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية، من أصل 99 نائباً يشكلون عديد البرلمان. موقفه «بيضة قبان» في التركيبة اللبنانية، ومرجّح في مركز القرار.
ارتبطت الزعامة الكاثوليكية بآل سكاف مع جوزف منذ الخمسينيات، لاعتبارات عدة أبرزها انطلاقهم من منطقة زحلة وقراها، التي تضم العدد الأكبر من أبناء الطائفة في لبنان. ولكن في المقابل، نمت في بيروت زعامة أخرى مثلّها النائب الراحل هنري فرعون الذي لعبت عائلته البيروتية أدواراً أساسية في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
مع انتهاء الحرب، التحق الكاثوليك بسفينة القوى المسيحية الممسكة بالتركيبة السلطوية، الى أن ساهمت تقسيمات العاصمة الانتخابية بعد «الدوحة» في تحرير الصوت المسيحي وإضفاء الاستقلالية على تحرك مسيحيي بيروت وتثبيت أقدامهم جزئيا على الأرض.
ومع أن زحلة هي التي كانت تفرز تاريخياً قيادات الكاثوليك على مساحة الوطن، غير أن «تسونامي» الصوت السني اجتاح الزعامة التقليدية، لتعود «فرامة» التحالفات وتقضي على بصيص أمل لمع في ذهن النائب نقولا فتوش لساعات تلت إعلان نتائج الانتخابات النيابية في العام 2009.
ولكن في كل ما ذكر، لا يمكن تحميل الآخرين مسؤولية تراجع وحضور الزعامات الكاثوليكية، لأن العلة فيها لا في غيرها، حيث فشلت هذه القيادات، اذا ما وجدت، في الحفاظ على ثقلها السياسي.
اليوم، وفي تركيبة الـ24 وزيرا، يفترض أن يعود ميشال فرعون الى الجنة الحكومية، ولكن هذه المرة من بوابة معراب. اضطر النائب البيروتي الى الاحتماء بالعباءة القواتية كي يحفظ له كرسياً في زمن تلاقي «الكبار» الذي من شأنه أن يبتلع حصص «الصغار». أما ملحم رياشي، فوحده الدور الذي لعبه في صياغة التفاهم الثنائي قد يعطيه فرصة «رزق سائب»، وصودف أنه كاثوليكي.
أما زحلة، فلا أحد ينده عليها، وربما نسي كثيرون أنها عاصمة الكاثوليك في الشرق وليس لبنان.
ما بعد تفاهم معراب ليس كما قبله. ستنحسر أدوار وتتقدم أدوار وستتغير خريطة التوازنات المسيحية في الانتخابات النيابية المقبلة.