كتب عمار نعمة في صحيفة “السفير”:
فجأة، برزت الى السطح مشكلة “الجدار” الاسمنتي الذي يقوم الجيش اللبناني ببنائه حول الجهة الغربية لمخيم عين الحلوة.
مرد المفاجأة يعود الى أن “الجدار” لم يبن بين ليلة وضحاها، بل ان العمل فيه بدأ منذ أوائل الشهر الحالي، وقد استهل ببناء أبراج مراقبة على تخوم المخيم. وسرت أقاويل عن قبول “فصائلي” به، حتى ان أياً منها لم يعبّر عن اعتراضه على البناء، حتى قبل أيام، في الوقت الذي تبادلت فيه بعض الفصائل الاتهامات بقبولها بناء “الجدار” معتبرة إياه “وصمة عار في جبين السلطات اللبنانية”!
وبينما أشار البعض الى الموقف الموافق الذي أبداه قائد الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي أبو عرب، على بناء “الجدار”، يستغرب الأخير في اتصال مع “السفير”، أن تعلو الصرخة الاعتراضية على “الجدار” بعد توقف بنائه، مؤكدا الالتزام اليوم بموقف الفصائل المعترضة عليه.
“الجدار” الذي كان تم إبلاغ الفصائل الفلسطينية به منذ مدة طويلة، وتحديدا منذ شهر أيلول 2012، على ان يتم بحث كيفية بنائه لاحقا، انتظر حتى تشرين الثاني الحالي للبدء في بنائه.
ويلفت البعض النظر الى أن السلطات اللبنانية تعرضت طيلة السنوات الماضية لضغوط، خصوصا من “اليونيفيل” لبناء “الجدار” في سبيل الحؤول دون تعريض طريق صيدا نحو الجنوب للخطر.
وبينما يشير البعض الى أن “الفصائل” قد تبلغت قبل ثلاثة أشهر أنه تم العدول عن بناء “الجدار”، تعزو “فصائل” عدة اعتراضها على أعمال البناء بكون تلك الاعمال لم تكن تشير الى ماهية “الجدار” كما تبين بعد ذلك، اذ بدا انه عال واسمنتي وليس مشروعا محدودا، في الوقت الذي تم فيه تعديل مسافة قرب الأبراج من المخيم، بين الجانبين اللبناني الفلسطيني، لكي لا تكون ملاصقة للمباني، فتم إبعادها 20 مترا عن المخيم.
لكن البعض في “الفصائل” يصنف ما يحصل بأنه خطير جدا في حال استكماله. ويشير الى ان ما يحدث يمثل رسالة سلبية من العهد اللبناني الجديد، ما يعاكس الكلام الإيجابي الذي أطلقه الرئيس ميشال عون في خطاب القسم وحديثه عن حق العودة.
وتقيّم معظم الفصائل “الجدار” بسلبية بالغة، وتشير الى البعد النفسي الذي يتركه لدى أبناء المخيم مذكرا إياهم بجدار العزل الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يمثل بالنسبة الى أبناء المخيم سجنا كبيرا. وتأسف أن يمثل هذا “الجدار” باكورة أعمال العهد الجديد، اذ “يصبح الشعب الفلسطيني على المدى الطويل أمام خيار من اثنين: التوطين أو التهجير”.
لذا، يقول المطلعون على موقف الكثير من الفصائل الرئيسية في “منظمة التحرير الفلسطينية” وتحالف القوى الفلسطينية”، إن ثمة خيبة أمل لديهم من الموقف اللبناني المستجد، في الوقت الذي كان فيه هؤلاء يتوقعون حوارا شاملا بين الجانبين اللبناني والفلسطيني.
والحال أن الفلسطينيين يناشدون رئيس الجمهورية التدخل وإيقاف الجدار ومن ثم رعاية حوار مع الفلسطينيين في إطار مقاربة شاملة للوضع الفلسطيني وللعلاقات مع لبنان، لا تقتصر على البعد الامني بل تشمل اساسا الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والقانونية للشعب الفلسطيني. ويشير هؤلاء الى أن مطالبهم من الدولة اللبنانية كانت تصطدم لدى المعنيين بعنوان الفراغ على رأس السلطة اللبنانية، أما اليوم، فإن ثمة رئيسا في لبنان، وقد انتظمت المؤسسات في البلاد.
ويشير هؤلاء الى ان “الفصائل” تلقت تأكيدات من جهات حزبية لبنانية بأنها لم تكن على علم بما يحدث وأبلغتها رفضها بناء “الجدار”. ويحذر البعض من تداعيات سلبية على الواقع الفلسطيني الهش في البلاد اذا استمر بناء الجدار.
في هذه الاثناء، يرى بعض الفلسطينيين ان المشكلة لا تتمثل في تلك الكتل الإسمنتية على تخوم المخيم، بل ان البعض يحاول توريط الفلسطينيين في فتنة مع الجيش اللبناني، علما ان الفلسطينيين يوجهون مطالبهم الى الحكومة اللبنانية ولا يعتبرون الجيش متورطا في حصارهم، حسب هؤلاء.
ولا يقتصر المطلب الفلسطيني على وقف بناء “الجدار”، بل إنهم يطالبون بإلغاء ما تم إنجازه حتى الآن لمنع إيجاد شرخ بين الفلسطينيين ولبنان. أما عن مسألة وقف التسرب والتهريب من المخيم الى الخارج وبالعكس، فإن ذلك يعالج بحوار جدي وتبادل دقيق للمعلومات بين الجانبين اللبناني والفلسطيني، وصولا الى استراتيجية مشتركة لمواجهة مشاريع التوطين والتهجير، على قاعدة الحفاظ على سيادة لبنان، مع التأكيد على ان القضية الاساس للفلسطينيين في لبنان تبقى في العودة الى أرضهم.