كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
وسط زحمة عِقد التأليف وتطاير الحقائب فوق الرؤوس أخذ البروتوكول مكانه في القصر الجمهوري. سَمح بـ “هدنة” مؤقتة انتهى مفعولها فور انتهاء حفل الاستقبال في قصر بعبدا والذي تخلّلته “نفحات” تفاؤل لم تكن كافية لتفتح الطريق أمام ولادة الحكومة، لكنها عبّدت الطريق نحو الحديث مجدداً عن حكومة الثلاثين علّها تفرج.
رباعية رئاسية كان يفترض أن تكون ثلاثية، حالت دونها السقوف العالية، تلقّت التهاني بعيد الاستقلال فور انتهاء العرض العسكري وسط العاصمة.
وباستثناء انسحاب الرئيس المكلّف سعد الحريري فور دخول السفير السوري علي عبد الكريم علي إلى قاعة الاستقبال، والغياب المتوقع لسليمان فرنجية وغير المتوقع لوليد جنبلاط وسمير جعجع، وانفلاش علم الـ 1989 وسط الباحة الداخلية للقصر، لا علامات فارقة ميّزت يوم “التهاني” سوى كونه يقصّ شريط الاحتفاليات الرسمية في العهد الرئاسي بعد أن سبقتها الاحتفاليات الشعبية.
التفت الرئيس نبيه بري يميناً صوب الرئيس المكلّف سعد الحريري قائلاً له “طوَّلوا”. كان بري يقصد “الكورال” الذي استرسل في تأدية الأناشيد الوطنية قبل بدء العرض العسكري في سابقة هي الأولى من نوعها.
لم يتبادل الرؤساء ميشال عون وبري والحريري الكلام كثيراً خلال العرض، ولم ينفع “البونبون” الذي “ضيّفه” الحريري لهما في تطرية الأجواء. كان الوجوم طاغياً على الوجوه. لكن سرعان ما انفرجت الأسارير قليلاً مع الانتقال الى القصر الجمهوري.
بري والحريري يصلان في سيارة واحدة الى مدخل القصر. فسحة صغيرة للدردشة وللتوضيحات المتبادلة. يدخلان مباشرة إلى مكتب الرئيس ويلحق بهما رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام. الخلوة الرباعية “طوّلت” أيضاً ما سمح برفع منسوب التفاؤل بالتأليف الوشيك.
مستشار رئيس الجمهورية الإعلامي جان عزيز كان حريصاً على عدم تبديد أجواء التفاؤل، خصوصاً أن لقاء دام أكثر من ساعتين بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري في مكتب الأول أوحى بأن العقد في طريقها الى الحلحلة. بعد انتهاء الاجتماع، يُسأل الحريري “قمحة أو شعيرة” فيرُدّ “ما بين بين”.
وحين سئل الوزير علي حسن خليل بعد تقديم التهاني بالاستقلال عن مآل التأليف، قال “الأمور منتهية من عنّا. وحقيبة الأشغال معنا. تبقى فقط حقيبة “تيار المرده” المتمسك بإحدى ثلاث حقائب: الأشغال أو الطاقة أو الاتصالات. الرئيس بري عاد وكرّر ذلك يوم أمس في “لقاء الأربعاء النيابي”. “القوات” في المقلب الآخر كانت تليّن لتسهّل “تنازلنا عن السيادية، ولم نكن أصلاً لنخلق أزمة أصلاً بسببها. والآن حين تعرض علينا حقيبة الصحة للتخلّي عن الأشغال سنأخذ ونعطي ولن نعرقل”.
وتبقى عقدة العقد، التي ستحتاج الى تنازل ما من أحد الأطراف، والتي لن تحلّها بالضرورة حكومة ثلاثينية هي نوعية الحقيبة المسندة الى “تيار المردة”. ويبدو أن رأي رئيس الجمهورية ثابت حيال هذه المسألة “سليمان فرنجية حين كان الى جانب عهد إميل لحود حصل على وزارة زراعة، فكيف له أن يحصل على حقيبة خدماتية أو أساسية في عهدّ يقف ضده”.
وفي هذا السياق تفيد معلومات بأن حتى “وزارة التربية التي عرضت على “المرده” كحل وسط يُرضي فرنجية، فإن “التيار الوطني الحر” غير موافق على إسناد هذه الحقيبة له”، فيما رئيس الجمهورية على رأيه بالحصة “الوطنية المشكّلة” في أولى حكومات عهده، تحديداً الوزير الشيعي.
مساء أمس غادر وزير الخارجية جبران باسيل متوجّهاً نحو ترينيداد توباكو وكوراساو فيما يصل يوم السبت المقبل الى البرازيل، حيث يكون بانتظاره أصلاً الوزير ميشال فرعون. تواجد باسيل تحديداً خارج لبنان لمدّة لم يحدّدها بعد، يُوحي بأن تأليف الحكومة قد يتأخّر أياماً، وربما حصول المعجزة بوقت أبكر قد يدفع باسيل إلى قطع زيارته والعودة إلى بيروت.
المهم أن “جَمعة” الاستقلال بدت كافية فقط للتحلية بـ “البونبون” في جادة شفيق الوزان ولشرب كأس عودة طقوس الاحتفالات في القصر الجمهوري، لكنها قصّرت في جمع المختلفين على “وزن” الحقائب و”حجم” ركاب الحكومة. الجميع يحكي لغة التفاؤل، لكن ما يُسمع في الكواليس يبشّر بـ “طبخة بحص” حتى الآن.