كتبت صحيفة “الأخبار” أن التشكيل الحكومي لا يزال عالقاً عند نقطة محدّدة مرتبطة بحصّة تيار المردة. غير أن الروايات التي تضخّها الأطراف المختلفة، تعزّز أن العقدة أيضاً تكمن في اللاءات المتبادلة: المردة “لا” يريد التربية، والتيار الوطني الحر “لا” يريد إسناد حقيبة أساسية للمردة، والرئيس نبيه بري “لا” يقبل بانتزاع حقيبة الأشغال من حصته و”لا” يدخل في حكومة لا تعطي المردة حقيبة أساسية، والقوات “لا” تريد التخلّي عن حصتها الوازنة.
كل ذلك يقود الى نتيجة واحدة، وهي أن “لا” حكومة في المدى المنظور، وأن عقبات التأليف تتكدس أمام الرئيس سعد الحريري الذي يبدو أنه الحلقة الأضعف، فلا هو قادر على فتح مشكل مع برّي، ولا على إثارة غضب التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون. وهذا ما يدفعه إلى تغيير كلامه والتزاماته بسرعة قياسية، فيما يبدو أن الاتفاق العوني – القواتي يكبّله ويمنعه من الالتزام أمام رئيس المجلس بأي عرض يمكنه تذليل العقبة المتعلقة بحصّة الوزير سليمان فرنجية.
ومع الجمود الذي طرأ على الملف مع سفر كل من وزير الخارجية جبران باسيل ومدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري، أشارت صحيفة “الأخبار” إلى أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري أبلغ الرئيس نبيه بري مساء الخميس 24 تشرين الثاني، في اتصال هاتفي مع أحد المقربين من رئيس المجلس، أن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذه الحال من المراوحة، وأنه متمسك بالنسخة الثانية التي رفعها الى عون، وتحديداً إعطاء حقيبة الاشغال الى القوات، وأنه متفق مع القوات والتيار الوطني على هذه النقطة.
وكان الحريري قد وضع وفد تيار المردة الذي زاره أمس في هذه الأجواء، وأبلغه أن لا صحة لما يقال عن سحب حقيبة الأشغال من القوات.
أجواء عين التينة تؤكد أن الأمور “عادت إلى المربع الأول”، فيما تقول مصادر تيار “المستقبل” لـ”الأخبار” إن الحريري قدّم كل ما في وسعه، والمشكل عند الرئيس بري.
لكنها شدّدت على أن رئيس الحكومة المكلّف لا يمكن أن يخاطر بفرض تشكيلة حكومية بالاتفاق مع رئيس الجمهورية فقط، لأنه ليس في وارد الاشتباك مع الرئيس بري وحزب الله.
وعلى النقيض ممّا تروّجه القوات اللبنانية عن أن الحكومة ستبصر النور خلال أسبوع، وتأكيدات التيار الوطني الحر أن شكل الحكومة حُسم، أكدت المصادر أن هذه النقطة لم تحسم بعد، ولو أن الرئيسين عون والحريري يصرّان على حكومة الـ24 وزيراً، كذلك فإن حصة الكتائب لم تحسم، وكذلك حصة القوات التي تبدو أكبر من حجمها الطبيعي.
وفي ما يتعلق بالمعلومات التي تحدثت عن محاولة حزب الله إقناع عون بإسناد المقعد السنّي في حصته إلى الوزير السابق عبد الرحيم مراد، ذكرت “الأخبار” أن رئيس الجمهورية لم يأت خلال استقباله مراد أمس على ذكر توزيره لا من قريب ولا من بعيد، ما أثار انزعاج الوزير السابق.
صحيفة “السفير” سألت: هل يُقدم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على إعلان “حكومة أمر واقع” إذا بلغت مساعيه لتذليل العقد الحكومية الحائط المسدود؟ وهل يدرك تداعيات حكومة كهذه على صورة العهد الجديد والفرصة التي أعطيت له للعودة إلى السرايا الكبيرة؟
يأتي طرح السؤال في ضوء عدم التوصل إلى حل للعقد التي تحول دون ولادة الحكومة وأبرزها عقدة “تيار المردة”، وتمسك رئيس مجلس النواب نبيه بري بحق تسمية “الثنائي الشيعي” للمقاعد الشيعية الوزارية الخمسة في حكومة الـ24 وزيرا.
وقالت “السفير”: “إنه بينما كان رئيس الحكومة المكلف يعطي جزءاً من اهتمامه في الساعات الأخيرة، لإعادة هيكلة “تيار المستقبل”، استعدادا للمؤتمر العام الذي سيعقد يومي السبت والأحد المقبلين، وما سينتج منه من تشكيلات قيادية جديدة على مستوى لبنان، عُلم أن الاجتماع الذي حصل بينه وبين وفد قيادة «المردة»، أمس، في “بيت الوسط”، لم يخرج بأي نتيجة إيجابية.
وفي المعلومات، أن الحريري تذرع بعدم وجود هوامش كثيرة تتيح له التصرف بالوزارات الأساسية بما يلبي مطالب المردة، معتبرا أن الحكومة لن تعمر طويلا وبالتالي يمكن التضحية هذه المرة، غير أن وفد “المردة”، الذي أشاد بإيجابية رئيس الحكومة المكلف، كان حاسماً بأن ما يطالب به سليمان فرنجية اليوم يتجاوز الحقيبة الوزارية إلى ما هو أبعد على صعيد تثبيت الحضور والحجم السياسيين في التركيبة اللبنانية، ومن كانت رئاسة الجمهورية بين يديه، فلن يتمثل بحقيبة وزارية عادية أو هامشية، في وقت تُغدق فيه الحقائب الوزارية السيادية والأساسية على تيارات سياسية ومكوّنات مسيحية أخرى.
ولفت الوفد انتباه الحريري إلى أن “تيار المردة” ليس طامحاً أو ساعياً وراء حقيبة وزارية، وهو إما أن يحصل على الحقيبة التي يراها مناسبة له اليوم، وإلا فإنه سيكون خارج التركيبة الحكومية، وسيمارس المعارضة البنّاءة، ويستعد بالتالي للانتخابات النيابية التي من المفترض أن تجري بعد ستة أشهر.
من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره، إن من حق رئيس “تيار المردة” أن يتمثل بحقيبة أساسية “وأنا عندما أقطع عهداً لا يمكن أن أتراجع عنه وقد أكدت ضرورة أن يحصل تيار المردة على وزارة أساسية وأنا ملتزم بقولي، كما أكدت أن تمثيل النائب سليمان فرنجية في الحكومة حتمي وأنا لا أزال عند وعدي.
وبالنسبة إلى التجاذب حول حقيبة وزارة الأشغال، قال: “علمت أن هناك وعداً من الرئيس المكلف بإسناد الأشغال إلى القوات اللبنانية. أنا ليس بيني وبين القوات أي شيء، لا مر ولا حلو، وبالتالي هذه الحقيبة لم تكن بحوزة “القوات” لتعود إليها بل هي عندي، تماما كما أن هناك حقائب أخرى لا تزال ثابتة لدى من تولاها كـ”الخارجية” والطاقة والداخلية وغيرها، فكيف يجوز انتزاع حقيبة من طرف بينما هناك حقائب ثابتة عند آخرين؟
وقال بري: “إنه سبق له أن أبلغ الرئيسين عون والحريري أنه مع ولادة الحكومة أمس قبل اليوم، مشيرا إلى أن الأجواء كانت ولا تزال إيجابية لكن تبقى تفاصيل ليست عندنا.
يذكر أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل توجه، أمس، إلى البرازيل، في زيارة تستمر أسبوعاً (حتى يوم الجمعة المقبل)، فيما يرتبط رئيس الحكومة المكلف بمواعيد خارجية بدءا من مطلع الأسبوع المقبل. هذان المعطيان جعلا المتابعين يجزمون بأن لا حكومة قبل نهاية الشهر الحالي، برغم تأكيدات الحريري أمام زواره بوجوب أن تعلن الحكومة في أسرع وقت ممكن.
صحيفة “الجمهورية” لفتت إلى أن الاتصالات التي شهدتها الساعات الـ24 الماضية أظهرت انّ عقدة تمثيل تيار “المردة” هي التي تعوق الولادة من وجهة نظر البعض، فيما هناك عقد وتفاصيل أخرى، بعضها معلوم والآخر مجهول، تعوق هي الأخرى هذه الولادة، على رغم الأجواء التي تتحدث عن صدور مراسيم تأليف الحكومة أواخر الشهر الجاري، أو مطلع الشهر المقبل.
وبحسب عاملين على خط التأليف، فإنّ اتصالاً حصل أمس بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس تيّار «المردة» النائب سليمان فرنجية الذي أوفد الوزير روني عريجي والوزير السابق يوسف سعادة ويوسف فنيانوس الى «بيت الوسط»، حيث التقوا بالحريري في حضور الدكتور غطاس خوري، وتناول اللقاء المساعي المبذولة لتشكيل الحكومة.
وتبيّن أنّ أجواء هذا اللقاء لم تكن مشجّعة ولم تنتهِ الى نتيجة، وعُلم من مصادر واسعة الاطلاع انّ اللقاء اتّسَم بإيجابية وصراحة وود، لكن في السياسة وموضوع التأليف لم يطرأ أيّ جديد نوعي، ما خَلا بعض النيّات الطيبة التي أبداها الحريري للوفد.
وقالت المصادر انّ الحريري تمنّى على الوفد مشاركة المردة، تحت عنوان ان تكون موجودة في الحكومة في هذه المرحلة، بصَرف النظر عن الحقيبة التي يمكن ان تسند اليها، علماً انّ هذا التمنّي بقي محلّ رفض المردة التي تصرّ على حقيبة أساسية، وخارج إطار التربية والثقافة.
وقال عاملون على خط التأليف لـ”الجمهورية” ان لا جديد ملموساً تحت هذا العنوان، مشيرين الى انّ حماسة كانت ملحوظة لدى بعض الجهات المعنية بالتأليف، لتمثيل فرنجية، الّا انّ هذه الحماسة خَفّت بعدما لمست هذه الجهات انّ في أمر فرنجية عقدة مستعصية لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، عندها باتت هذه الجهات ميّالة الى موقف بعبدا.
وفي المعلومات ايضاً انّ تمثيل حزب “الكتائب” في الحكومة لم يحسم لا في المبدأ ولا في الحقيبة التي قد تسند إليه. لكن هذه المعلومات أشارت الى انّ الايجابيات الشائعة حول القضايا الاساسية هي ايجابيات مهمة، لكنها تصبح جدية اذا ما تَمّت حلحلة كل القضايا، اضافة الى بعض التفاصيل التي لا يمكن القول إنها سهلة، بل يجب تذليلها، وفي المقدمة هنا يأتي دور عون والحريري. وتِبعاً لذلك ليست هناك ايّ مؤشرات الى ولادة حكومية قريبة.
وفي اعتقاد العاملين على خط التأليف ان لا مفرّ في النهاية من اقتراب الافرقاء بعضهم من بعض شرط ان تصدق النيّات للتأليف، وهذا الاقتراب يفرض التنازلات المتبادلة، الّا اذا كان هناك من يشعر بأنه محشور بأن يسير مِن تَراجُع الى آخر، ولذلك يحاول ان يُبقي سقف مطالبه عالياً حتى لا يُحرَج امام جمهوره، الّا انه في النهاية سيقبل بما هو طبيعي له، من دون زيادة او تضخّم على حساب الآخرين.
وفيما نقل عن مرجع رسمي توصيفه بأنّ المساعي الجارية تسير سَير السلحفاة، نَفت اوساط بعبدا ان يكون رئيس الجمهورية قد حدّد مهلة لتشكيل الحكومة، ونقل زوّاره لـ”الجمهورية” تَمنّيه بأن يشهد الأسبوع المقبل تصاعد الدخان الأبيض حكومياً، واكّد انّ جميع المسؤولين عبّروا عن استعدادهم لطَي صفحة التشكيلة الحكومية في اسرع وقت وانّ ما بقي منها لم يعد كبيراً واساسياً، لكي تتفرّغ الحكومة لمجموعة من الملفات الحيوية الإقتصادية والإجتماعية الكبرى.
وقال الزوّار انّ عون عبّر عن رغبته باستكشاف ردات الفعل الشعبية على ما رافقَ المحطات السياسية التي عبرت الى اليوم، من خطاب القسم الى رسالة الإستقلال الأولى وما أطلق بينهما من المواقف أمام كافة القطاعات التربوية والإجتماعية والإقصادية والبيئية والأمنية.
وأشاروا الى انّ نبض الشارع يعنيه لقياس مواقفه في المرحلة المقبلة، ولذلك هو مرتاح الى ما تعكسه ردّات فعل الناس وارتياحهم الى عودة مظاهر الدولة والحاجة الى قيام المؤسسات الدستورية بأدوارها، باستقلالية تامّة ولكن بتكامل مطلوب ومرغوب.
وأكّد عون اقتناعه بضرورة ترميم العلاقات اللبنانية – العربية وخصوصاً مع دول الخليج العربي.