ذكرت صحيفة “الراي” الكويتية أن أجواء الإبهام والغموض الواسعيْن خيّمت على مجريات عملية تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، وسط معطيات لا تبدو معها العقبات المتبقية لاستكمال التشكيلة الحكومية مستعصية على المعالجات نظرياً، فيما لا تبرز في المقابل إمكاناتٌ سريعة لتَجاوُزها بما يبقي المراوحة سيدة الموقف.
واذ بات معلوماً ان العقبات الأخيرة حُصرت بالاتفاق الجاري العمل عليه على بضع حقائب وزارية من أبرزها الحقيبة التي ستعطى الى تيار «المردة» بزعامة النائب سليمان فرنجية، برز كلام عن تحفظ «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية ميشال عون نفسه عن منْح فرنجية حقيبة أساسية مثل الطاقة او الاتصالات او الأشغال، فيما طُرحت تسوية بإعطائه حقيبة التربية وسط تعهد رئيس مجلس النواب نبيه بري بالعمل على إقناع فرنجية بها.
لكن مصادر سياسية مواكبة للاتصالات والمشاورات الجارية في صدد إزالة العقبات الأخيرة من طريق ولادة الحكومة التي كُّلف الرئيس سعد الحريري تشكيلها قالت لـ”الراي” ان مفاوضات اليوميْن الأخيريْن أثبتتْ ان عملية تصفية حسابات سياسية تجري خلف الكواليس ويصعب التوصل الى استيلاد الحكومة قبل استنفادها بتسوياتٍ مقبولة من الجميع.
ولفتت في هذا السياق الى التدخّل الفاقع للاعبين أساسيين في مجريات التأليف والذي بدأ يشكل عاملاً سلبياً ليس لمصلحة الحريري الذي بدأ يظهر كأنه شريك أطراف عديدين في عملية تأليف الحكومة وليس الرئيس المكلف المعني حصراً بإدارة هذه العملية.
وأكدت المصادر أن الحريري يبدي مرونة كبيرة وصبراً واسعاً حيال تدخّلات شركائه رغبةً منه في استعجال إزالة العقبات، لكن ذلك لا يعني انه ينظر بارتياحٍ الى شراهة هؤلاء الشركاء في مقاسمته دوره وصلاحياته.
وأعطتْ مثالاً على ذلك في تَزامُن تصريحاتٍ لبري ووزير الخارجية جبران باسيل اول من امس حول مجريات عملية التأليف وبرنامج عمل الحكومة بما يتجاوز التعبير الطبيعي عن مواقف كل من فريقهما ويكشف تالياً ان مجريات العملية تتصل بأبعاد تحكّمت بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية على ضفتيْ التأييد والمعارضة لانتخابه، وما سيلي هذه المرحلة الى رسم الخطوط التفصيلية لعمل الحكومة بتوازناتها السياسية المقبلة.
ومع ان الدائرة اللصيقة بالحريري تلتزم التحفّظ والصمت في ما خصّ الاتصالات والمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف، فإن المصادر المعنية نفسها قلّلت أهمية التسريبات الصحافية والإعلامية التي تحدّثت عن مهلة حدّدها عون والحريري لصدور التشكيلة الحكومية نهاية الشهر الجاري، واعتبرتها من باب إطلاق بالونات الاختبار لا أكثر، لأن التزام مهلة محدّدة قد يرتدّ سلباً عليهما في حال نفاذ المهلة المحكى عنها وتَعذّر قيامهما بأي خطوة في المجهول مثل إعلان تركيبة لا ترضي بعض الأطراف او أكثرهم.
وأشارت المصادر عيْنها لـ”الراي” الى ان واقع الاتصالات والمشاورات كان يؤشر واقعياً الى ان ولادة الحكومة لم تعد تحتاج إلا الى ايام معدودة في حال التسليم بأن العقد الظاهرة هي العقد الحقيقية المتبقية وليس وراء الأكمة ما وراءها من أبعاد أخرى مستترة خلف التنافس على الحقائب المتبقية.
اما في حال التمادي في التعنّت، فإن ذلك سيرسم أفقاً ملبّداً بخلفياتٍ قد تتجاوز الإطار الداخلي الصرف ومن بينها ما يثار من مخاوف لدى البعض من ملامح ارتدادات لتطورات الحرب السورية على المشهد الطالع في لبنان او مضاعفات التوافد الخليجي الديبلوماسي على لبنان للإحاطة بعهد عون والذي اكتسب دلالات بارزة للغاية عقب زيارتيْ موفدين سعودي وقطري لبيروت وتوجيههما دعوتين للرئيس عون لزيارة الرياض والدوحة، وسط إشارات امتعاض متتالية من أوساط «حزب الله» وبري حيال الخطاب الذي يعتمده عون عبّرت عنها من خلال انتقادات في صحف قريبة منهما لما وُصف بـ”الخطاب الباهت” في ذكرى الاستقلال وصولاً الى ما نُقل امس عن مصادر بري أنّ «الخطاب الوحيد للعهد الذي ظهر حتى الساعة هو الانفتاح على السعودية.
وفي أي حال، فإن المصادر التي أكدت ان الساعات الأخيرة لم تشهد أيّ جديد بارز على صعيد دفع جهود التأليف نحو الخروج من مأزق التعقيدات التي لا تزال قائمة، لاحظت ان الحديث عن مهلةٍ تَرافق مع سفر باسيل في جولة على دول في اميركا اللاتينية ومن ابرزها البرازيل ستستمر أسبوعاً كاملاً، علماً ان باسيل يتولى التفاوض باسم «التيار الوطني الحر» الى جانب كونه الرجل الاول الى جانب والد زوجته الرئيس عون.
وما لم تحصل مفاجأة في الايام المقبلة من شأنها ان تفرج عن التشكيلة الحكومية، فان الاسبوع الذي يغيب فيه وزير الخارجية عن لبنان لن يكون مرشحاً للخرق المنتظر. علماً ان احتمال الخرق لا يبدو مستبعداً في حال قبول تيار «المردة» بحقيبة التربية وقبول «القوات اللبنانية» بالتنازل عن حقيبة الأشغال لمصلحة بري مقابل حصولها على حقيبة الصحة.