كتبت رولا حداد
صار واضحاً لجميع المتابعين لمسار المفاوضات حول تشكيل حكومة العهد الأولى أن الصراع الفعلي ليس على الحقائب الوزارية، وإن كان ظاهر الأمور يوحي بذلك.
ثمة من لم يكن راضياً على الإطلاق عن إتمام الانتخابات الرئاسية وإنهاء الفراغ في قصر بعبدا، ويحاول اليوم أن ينقل التعطيل إلى السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة ليصيب أكثر من عصفور بحجر التعطيل الجديد:
ـ تعطيل تشكيل الحكومة يعني توجيه ضربة للعهد في انطلاقته، وذلك بهدف واضح وهو إنهاء مقولة “الرئيس القوي”، الذي يريده البعض عاجزاً عن تشكيل حكومة لإدارة الانتخابات النيابية. فصورة الرئيس العماد ميشال عون الآتي بزخم مسيحي هو الأول منذ اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوض (الذي كان مدعوماً يومها من بكركي و”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” والنواب المسيحيين المستقلين وكان اسمه على رأس اللائحة التي قدمها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير إلى الموفد الأميركي ريتشارد مورفي)، لا تروق للبعض ممن باتوا يعلنون توجسهم من عودة قوية للمسيحيين إلى “الطائف” والجمهورية الثانية.
ـ منع الرئيس المكلف سعد الحريري من تشكيل حكومته يصيب أكثر من هدف، فهو من جهة يؤكد أن أقصى ما قبل به “حزب الله” هو تكليف الحريري وليس أن يشكل حكومته. كما يعلن عن محاصرة الحريري لمنعه من العودة بقوة الى الحكم، وإبقاء القرار الفعلي بيد الثنائي الشيعي، ويطوّق أي محاولة للعودة السعودية والخليجية إلى لبنان من بوابة تعويم الحريري.
ـ وفي الإطار نفسه فإن منع تشكيل الحكومة الجديدة يحبط كل المساعي العربية والخليجية لإعادة نسج العلاقات مع العهد الجديد، وذلك بعد الزيارات المتتالية للموفدين السعودين والقطريين، إضافة الى عرقلة تلبية رئيس الجمهورية الدعوات الرسمية لزيارتين الى الرياض والدوحة والمنتظرتين بعد تشكيل الحكومة، وبالتالي عرقلة عودة الحياة الى الهبة السعودية لتسليح الجيش، وإبعاد الرئيس ميشال عون عن منطق التوازن في العلاقات العربية والخليجية.
مما تقدّم يمكن الوصول إلى خلاصة منطقية وهي أن لا مصلحة على الإطلاق للثنائي الشيعي، وتحديداً لـ”حزب الله” في أن تبصر الحكومة الجديدة النور قريباً، لأن الأولوية المطلقة بالنسبة للحزب تبقى في إضعاف العهد، لأن عهداً قوياً يعني حكماً عودة قوية للدولة والمؤسسات وهو ما لا يمكن أن يصبّ في أي حال من الأحوال في مصلحة الحزب ومشروعه، والذي أعاد الشيخ نعيم قاسم التأكيد عليه وعنوانه “إقامة الجمهورية الإسلامية” في لبنان.
وبالتالي فإن كل مظاهر العرقلة المتمثلة بتمسّك الرئيس نبيه بري بحقيبتي المال والأشغال، والمطالبة من هناك بحقيبة “وازنة” لتيار “المردة” لم تعد تنطلي على اللبنانيين، وخصوصاً أن “المردة” تمثل بحقيبة “الثقافة” في الحكومة السلامية، كما تمثل في حكومات سابقة بحقائب يمكن ان يُقال فيها إنها أقل من عادية. وبالتالي لا يمكن فهم التصعيد اليوم إلا في إطار تأمين الذرائع للعرقلة في محاولة لليّ ذراع رئيس الجمهورية وإضعافه ومنع الانطلاقة القوية للعهد التي ينتظرها اللبنانيون بلهفة بعد سنتين ونصف السنة من الفراغ القاتل. ورسائل الاستعراضات العسكرية تصب في الإطار نفسه، تماماً كما مسارعة الإعلام الحربي لـ”حزب الله” للتبني الإعلامي للعملية النوعية التي نفذها الجيش اللبناني في جرود عرسال، عبر نشر صور الموقوفين وأسمائهم قبل مديرية التوجيه، إنما كل ذلك يصب في خانة واحدة وهي الإيحاء العلني بأن كل ما يجري يبقى تحت إشراف “حزب الله”.
إلى أين؟ وحدها الأشهر القليلة التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية المنتظرة كفيلة بأن تظهّر الصورة التي لن يتمكن أحد بعدها من التعمية على مخططات الحزب ومشاريعه!