كتب غسان ريفي في صحيفة “السفير”:
من المفترض أن يشكل المؤتمر العام الثاني لـ”تيار المستقبل” انطلاقة جديدة له على أسس تنظيمية وديموقراطية، لا سيما على صعيد سقوط منطق التعيين الذي كان معتمدا طيلة السنوات الماضية في المكتب السياسي واللجان والمنسقيات، واستبداله بالانتخابات التي جددت أمس قيادة “التيار”، باختيار 20 عضوا للمكتب السياسي، مقابل تعيين 12 عضوا.
لكن اللافت للانتباه، أن هذه الديموقراطية كانت انتقائية، وأن الحديث عن التغيير وإدخال دم جديد الى القيادة الزرقاء، اقتصر فقط على انتخابات المكتب السياسي، ولم يشمل عائلة الحريري وقيادات الصف الأول، فآلت رئاسة “التيار” بالتزكية الى الرئيس سعد الحريري الذي حافظ على تسمية المقربين منه، فعين ثلاثة نواب له هم: باسم السبع وريا الحسن وسمير ضوميط، كما عين 12 عضوا في المكتب السياسي بشكل متوازن بين الطوائف والمناطق، وكلف النائب جمال الجراح تمثيل كتلة “المستقبل” في المكتب، كما فاز أحمد الحريري مجددا وبالتزكية أيضا بمنصب الأمين العام، والمحامي محمد المراد بأمانة سر هيئة الاشراف والرقابة.
في جلسات المؤتمر التي عقدت في مجمع البيال، واستمرت على مدار يومين متتاليين، كان لافتا للانتباه أن كثيرا من قيادات “التيار” وكوادره اغتنم دعوة الحريري الى اعتماد الصراحة المتناهية في المناقشات، لتصفية الحسابات مع بعضهم البعض ومع كثير من النواب، وذلك ضمن إطار التنافس المشروع للفت نظر الحريري الذي حضر في كل الجلسات، قبل ستة أشهر من الانتخابات النيابية المقبلة، فبدا واضحا أن ثمة طامحين كثرا لدخول الكتلة النيابية بدلا من النواب الحاليين.
وفي هذا الاطار، تشير مصادر مستقبلية الى أن الجلسات المغلقة لا سيما جلسة مناقشة مشروع التقرير السياسي شهدت انتقادات قاسية لعدد كبير من نواب “المستقبل” واتهامات لهم بالتقصير وإغلاق منازلهم ومكاتبهم وعدم القيام بواجباتهم، ما أدى الى هذا التراجع في شعبية “التيار” في مختلف المناطق، واتساع الهوة بين القاعدة والقيادة.
كما ركزت الانتقادات على أن أحدا من النواب لم يبذل أي جهد لكي يغطي غياب الرئيس الحريري خلال هجرته القسرية، كما لم يبادر أحد منهم الى صرف المال ليغطي ولو جزءا بسيطا من الخدمات والتقديمات التي تعطلت بفعل الأزمة المالية، الأمر الذي دفع البعض الى تقديم اقتراح يقضي بعدم حصر صرف الأموال بالرئيس الحريري، وأن يصار الى تأمين مصادر تمويل تحوّل “التيار” الى مؤسسة متكاملة قادرة على مواجهة الأعباء المالية.
وتشير المصادر الى أن سجالات عالية النبرة حصلت خلال الجلسات خصوصا عندما حاول البعض منع النواب من الدفاع عن أنفسهم، إذ تعالت بعض الأصوات مطالبة بضرورة المداورة في النيابة، لافتة الانتباه الى أنه لا يجوز أن يستمر أي نائب في منصبه مدى الحياة، لأن من أساس الديموقراطية والتشجيع على العمل والانتاج هو هذه المداورة، الأمر الذي دفع برؤساء الجلسات الى التدخل للحفاظ على هدوء وانتظام المؤتمر.
الحريري وفي كلمة الافتتاح رد على الشائعات التي تطاول “المستقبل” من بعض “المتمردين” عليه، فأكد أن التيار سيبقى رقما صعبا في المعادلة الوطنية يستحيل كسره والتطاول عليه أو التلاعب فيه، مؤكدا على ثوابته لجهة هوية لبنان العربية، ولبنان أولا، والحفاظ على العيش المشترك وصيغة المناصفة، والاعتدال والحريات والانفتاح.
وحرص الحريري على إقناع أعضاء المؤتمر بتسويته الرئاسية، معتبرا أن نجاحها يصب في الرصيد الوطني لـ “التيار”، لكنه دعا في الوقت نفسه، الى إجراء مراجعة نقدية، مشددا على ترجمة هذه المراجعة بالانتخابات واختيار قيادة جديدة.
وبدا واضحا أن الحريري يسعى للتخلص من بعض القيادات التقليدية التي تشكل عبئا عليه، فنعى بشكل غير مباشر ما يعرف بـ “الحرس القديم” موجها له التحية، مؤكدا أنهم سيظلون كبارنا الذين نعترف بتضحياتهم ونستفيد من خبرتهم.
كما حرص على التشديد على أهمية العمل التطوعي بالجهد والوقت والأفكار والابداع، ما أوحى أن الأزمة المالية مستمرة، وأن الانفراجات التي شهدتها شركة “سعودي أوجيه” لن تنعكس إيجابا على “المستقبل”.
وكان المؤتمر قد انطلق بإعلان النائب محمد الحجار اكتمال النصاب القانوني، وقد بدأت الجلسة الأولى برئاسة رضوان السيد وتقديم راشد فايد، وعالجت مشروع التقرير السياسي، فيما أدار النائب غازي يوسف الجلسة الثانية وقدمتها الوزيرة السابقة ريا الحسن، وجرت معالجة مشروع الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية.
أما اليوم الثاني فاستهل بجلسة عن “التقرير التنظيمي” أدارها الأمين العام أحمد الحريري، وقدم لها الأمين العام المساعد للشؤون التنظيمية سمير ضوميط، وتلتها جلسة “النظام الداخلي” وأدارها الأمين العام المساعد لشؤون الفعاليات التمثيلية صالح فروخ وقدم لها الأمين العام المساعد لشؤون العلاقات العامة بسام عبد الملك.
ويشير مشاركون الى إدخال تعديلات جوهرية على النظام الداخلي لجهة انتخاب مكاتب المنسقيات من الأعضاء والمنتسبين، وإعادة صياغة مكتب الرئيس الذي بات يضم رئيس كتلة نواب “المستقبل”، ومدير مكتبه، ونوابه الثلاثة.
ثم عقدت جلسة لإقرار التوجيهات والقرارات التنظيمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، قبل فتح صناديق الاقتراع لاختيار 20 عضوا للمكتب السياسي من أصل 85 مرشحا، حيث بلغت نسبة الاقتراع 87%.
وبدا من خلال النتائج أن أعضاء المؤتمر لم يتأثروا بايحاءات الرئيس الحريري بشأن دعمه الشباب للدخول الى المكتب السياسي، فكانت أكثرية المنتخبين من فئة المخضرمين، في وقت تضمن التعيين عددا من الشباب لتصبح نسبتهم في المكتب السياسي نحو 40 في المئة.
ويشير مشاركون في المؤتمر الى أنه تضمن إيجابيات كثيرة أهمها انعقاده، وعودة التواصل بين الرئيس الحريري والكوادر الذين كان أكثرهم يعترض على خياراته السياسية، لكن المهمة المقبلة ستتركز على مصالحة القواعد الشعبية وإعادتها الى الحظيرة الزرقاء، خصوصا بعد الاحتفالات التي عمت كل المناطق اللبنانية بتكليف الحريري.
الفائزون والمعيّنون
فاز في انتخابات أعضاء المجلس السياسي لـ “تيار المستقبل” كل من: أحمد الحريري، مصطفى علوش، وسام شبلي، أمل شعبان، جورج بكاسيني، سامر حدارة، محمد جميل قمبريس، عبد الستار الأيوبي، زياد ضاهر، محمد كجك، محمد شومان، وسام ترشيشي، فادي سعد، نوال مدللي، منير الحافي، نزيه خياط، ربيع حسونة، محمد صالح، حسن درغام، وعامر حلواني.
أما الأعضاء المعينون فهم: ميشيلين أبي سمرا، ربى دالاتي، شذا الأسعد، ميرنا منيمنة، روبينا أبو زينب، طارق مرعبي، طارق الحجيري، رفعت الأسعد، معتز زريقة، بشار شبارو، راشد فايد، وهيثم مبيض.