كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:
لم يعد ممكناً بعد مرور 26 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان الحديث عن عقبات «تقنية» ما زالت تعوق الإفراج عن اولى الحكومات في عهد الرئيس المنتخب ميشال عون.
فعلى مشارف دخول مسار التأليف شهره الثاني، وفي حين برزت امس عودة الحريري الى إدارة محركات التأليف بقوة من خلال زيارته عون في القصر الجمهوري، تتكشّف أكثر فأكثر «طبَقات» متداخِلة في الصراع المستعر على جبهة الحكومة: أوّلها ذات صلة بأحجام القوى السياسية ومحاولات التحجيم المتبادلة ربطاً باستحقاقات مقبلة.
وثانيها يرتبط برغبة بعض الأطراف في تثبيت أنماط في عملية تشكيل الحكومات انسجاماً مع كل «المعارك» التي خاضوها وحتى «بالأذرع العسكرية» أحياناً في العقد الماضي تحت عنوان ايجاد «توازن مثلث الضلع» في الحكم، سني – شيعي – مسيحي، يعني عملياً «التفافاً» على صيغة المناصفة المسيحية – الاسلامية التي تشكل روحية اتفاق الطائف. والثالث يتناول «العنوان – المفتاح» للمرحلة المقبلة وهو القانون الذي سيجري على أساسه الاستحقاق النيابي في مايو المقبل والذي كان رئيس البرلمان نبيه بري أعلن انه سيخوض على تخومه «الجهاد الأكبر» ضدّ قانون الستين الحالي وبهدف وضع قانون ركيزته نظام الاقتراع النسبي.
وفي الجانب التقني، الذي يشكّل «رأس جبل جليد» المعوقات التي لم تفتح بعد الباب امام استيلاد الحكومة، فإن المسار عالق عند النقاط الآتية:
- تمسُّك بري بحقيبة الأشغال ورفْضه منْحها لـ «القوات اللبنانية» بعدما كان أعطاها لها الحريري كـ«تعويض» عن تخليها عن وزارة سيادية تحت وطأة رفْع «حزب الله» وحلفائه «فيتو» امام توليها مثل هذه الحقيبة ومسارعة «القوات» الى سحب الذريعة من يد هذا الفريق لعرقلة انطلاقة عهد الرئيس عون، بالموافقة على التخلي عن «السيادية» لمصلحة حصة وازنة بينها الأشغال ونيابة رئاسة الحكومة ووزارة الإعلام.
- إصرار تيار «المردة» (النائب سليمان فرنجية) على الحصول على واحدة من 3 حقائب هي الطاقة أو الاتصالات أو الأشغال، وهو ما يرفضه تيار الرئيس عون الذي يدعو لتمثيلٍ لفرنجية كما كان عليه في حكومة الرئيس تمام سلام حيث نال حقيبة الثقافة. علماً ان بري كان دعا الى أن تكون «الأشغال» و«التربية» من حصة «8 آذار» على أن يعمل هو على التفاهم مع فرنجية حول الحقيبة التي تعطى لـ«المردة».
وفي حين تَعلْق الخيارات البديلة، وبينها منْح «القوات» حقيبة الصحة عوض الأشغال، عند رغبة الأخيرة في ان تحصل قبل إعلان التخلي عن «الأشغال» على ضمانات بعدم ذهاب هذه الحقيبة الى فرنجية وبأن الصحة صارت محسومة لها، فإن اوساطاً ترى ان الحريري الحريص على حسن انطلاقة العهد الجديد الذي تشكّل الحكومة محرّكه الرئيسي، ما زال يحتفظ بأوراق «احتياط» يمكن ان يلعبها متى شعر بأن لا نيات لجرّه الى تنازلات «جرّارة»، وبينها البحث بالتخلي عن الاتصالات لـ«المردة» اذا كان ذلك يضمن ولادة الحكومة.
وجاءت زيارة الحريري لعون أمس معلناً بعدها «نستكمل خطوات التأليف ونحن مع الرئيس بري ظالماً او مظلوماً» وان «الرئيس عون حريص على اقتصاد البلد» وهو ما فُسّر على انه رفْض للاستنزاف المفتوح، على وقع تلميحات الى ان خيار استيلاد الحكومة «قيصرياً» يبقى مطروحاً، وهو ما ردّ عليه بري صحافياً بتحدي الرئيس المكلف «ان يمضي في التأليف، فإذا استطاعوا تأليفها من دوننا فليُقْدموا، ونتجه عندها الى المعارضة التي يراودني مناخها»، نافياً ان يكون اتفق مع الحريري على التخلي عن «الأشغال» لـ «القوات» ومعلناً «ارفض مَن لا يتعامل معي بصدق، ولم أعد أريد الحديث عن هذا الموضوع (الأشغال) ومن أصعد الحمار الى المئذنة فلينزله».
ومن خلف «جدار التعقيدات» الظاهرة، تشير أوساط سياسية عبر «الراي» الى ان ما يجعل مسار التشكيل محكوماً بمناخ «شدّ الحبال» ان مجموعة حسابات دخلت في هذا الملف أبرزها:
- رغبة المكوّن الشيعي بتكريس دوره «المقرّر» بمسار تأليف الحكومات، وهو ما يرتبط ببُعدين متوازييْن: الأول ذات صلة بمجمل الصراع السياسي – المذهبي الذي يعيشه لبنان منذ 2005 والذي يحمل في طياته رغبةً بتعديل موازين الحكم لمصلحة «مثالثة» سنية – شيعية – مسيحية لاحت طلائعها منذ انسحاب الوزراء الشيعة من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة العام 2006، مروراً بفرض «الثلث المعطّل» في الحكومة بقوةِ أحداث 7 مايو 2008، وصولاً الى التمسك اليوم بحقيبة المال باعتبارها توفر التوقيع الشيعي على المراسيم في السلطة التنفيذية. والبُعد الثاني يرتبط بـ «النقزة» التي أشاعها دخول «الماروني القوي» على معادلة الطائف من موقع الرئاسة الاولى متكئاً على تحالف مسيحي مع «القوات اللبنانية». علماً ان بري كان غمز منذ ان أعلن الحريري دعم ترشيح عون من قناة «ثنائية مارونية – سنية» مستعادة.
- رغبة 8 آذار في توجيه رسالة بأن منطق «الرئيس القوي» لا يغيّر في واقع ان «مفتاح القرار» لم يتغيّر وان «حزب الله» يبقى المُمسك بمفاصل اللعبة السياسية رغم الحركة المباغتة التي قام بها الحريري بدعم ترشيح عون بمباركةٍ سعودية لا تقلّ «فُجائية».
- حرْص 8 آذار على الحفاظ على «حجم» النائب فرنجية وموقعه في الحكومة والعهد الجديد اولاً لضمان انطلاقة مريحة له في الانتخابات النيابية وايضاً لإبقائه مرشحاً قوياً، اذا لم يكن الأقوى بالنسبة لها، في اي انتخابات رئاسية مقبلة.
- محاولة إحداث ربْط نزاع بين الحكومة وقانون الانتخاب الجديد وحتى الاستحقاق النيابي برمّته، وسط «معركة كبرى» يخوضها «حزب الله» وبري لإقرار قانون على قاعدة النسبية باعتبارها مدخلاً للأخذ من «صحن» تيار الحريري خصوصاً، وسط انطباعٍ لديهما بأنّ غالبية الأفرقاء الآخرين لم يعودوا يمانعون انتخابات وفق «الستين» تتعزز حظوظها كلما طال التأليف، وهي الورقة التي يحاول خصومهما ايضاً لعبها لحضّهما على الإسراع في الإفراج عن الحكومة.