كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:
في جلسة استجوابه الأولى، ركّز السوري ابراهيم م. على الثورة السوريّة التي انحرفت عن مسارها وكيفيّة تمرّد العسكريين كي لا يكونوا تحت سلطة المسؤولين المدنيين، من دون أن ينسى المرور على “غرفة الموك” التي قال إن المخابرات الأوروبيّة والعربيّة والأميركيّة وحتّى الإسرائيليّة تتحكم بها.
ومع ذلك لم يدخل الضابط الذي استلم خلال انضمامه للجيش السوري النّظامي مهمّة التدريب في “كليّة المدفعيّة” في حلب قبل انشقاقه عن الجيش وتشكيله مع آخرين “لواء المغاوير” التابع لـ”المجلس العسكريّ” ثمّ استلامه مهمّة ضابط ارتباط في غرفة “موك”، في تفاصيل قضيّته.
وتبدو القضيّة من أهمّ القضايا المتعلّقة بالمتهمين المنضوين تحت لواء “الجيش السوري الحرّ”. صحيح أنّه أقرّ بأنّ الخطط الموضوعة كانت تتمّ بالتعاون اللصيق مع قيادات من “جبهة النصرة”، بالإضافة إلى كونه، مع عدد من قيادات المجموعات المسلّحة في جرود عرسال ومن بينهم أبو مالك التلّي، قد شكّلوا غرفة عمليّات أثناء معارك عرسال مهمّتها ضرب حواجز الجيش اللبناني وأسر عسكرييه.
ولكنّ الأهمّ من هذا كلّه هو ما رواه ابراهيم الملقّب بـ”أبو النور” في إفادته الأوليّة، ما يشير إلى تورّط “الحرّ” في عمليّات تفجير داخل الأراضي اللبنانيّة، بالرغم من نفي موقوفين من “الحرّ” أن يكون لبنان هدفهم.
الهدف: مزرعة دجاج لـ“الحزب”!
وروى ضابط المدفعيّة كيف كلّفه أحد ضبّاط غرفة “موك” وهو سعوديّ من أصل سوري وملقّب بـ”أبو جميل” مع مساعده الملقّب بـ”أبو عبيدة” باستطلاع كلّ المواقع التّابعة لـ”حزب الله” في قضاء بعلبك، ووعداه بأن يؤمّنا له ما يحتاجه من مال.
وبالفعل، قام ابراهيم ومعه عدد من الضبّاط بدراسة تضمّنت مسحاً كاملاً للمنطقة لتحديد مواقع “الحزب”، ووضعوا لائحة بالمستلزمات ومنها صواريخ تمّ شراؤها من “النصرة” وسيارات وحقائب مفخّخة. ونفّذ الملازم المنشقّ عن الجيش النظامي بسّام م. أولى عمليّات هذه المجموعة باستهدافه بصواريخ “غراد” مراكز لـ”حزب الله” في جرود بريتال ونحلة بالتّنسيق مع “النصرة”.
في حين أنّ “أبو جميل” و”أبو عبيدة”، اللذين يدوران في فلك المخابرات الأميركيّة والإسرائيليّة بحسب تعبيره، يريدان شيئاً آخر وهو استهداف مزرعة دجاج!
يشير ابراهيم في تحليلاته الى أنّ الطلب منه استهداف هذا المكان هو لأن المخابرات الإسرائيليّة تعتقد أن “حزب الله” يخزّن داخل هذه الغرفة البيضاء في المزرعة في سرعين بعضاً من أسلحته وصواريخه المتطوّرة.
ولذلك، أعدّ العدّة لهذا الهدف، وراح يتواصل مع أحد أبناء بعلبك الذي كان يؤمّن له موادَّ غذائيّة بغية تجنيد عدد من شبّان المنطقة لاستطلاع هذه الغرفة ثمّ استهدافها بالإضافة إلى استطلاع مراكز أخرى لـ”حزب الله” في بعلبك، وزوّده بهاتف “نوكيا” معروف بـ”فانوس” لكي يتواصل معه.
وهذا ما حصل حينما صار الشاب علي ص. يعمد إلى تصوير المراكز والحواجز التابعة لـ”حزب الله” مستغلاً عمله كسائق أجرة، ثمّ اصطحب عددا من أصدقائه إلى سرعين، حيث استطلعوا الغرفة وصوروها “فيديو” وتم إرساله لـ”أبو النور”.
وبعد فترة وجيزة، كُلّف علي بأن يستلم حقيبة مفخّخة، وما إن يصل إلى الهدف حتّى يقوم بإشعال الفتيل ثم يهرب من المكان على متن دراجة ناريّة تعود للسوري اسماعيل غ. الذي كان واحداً من عناصر “النصرة”.
لكن الخطّة لم تنجح، إذ إنّ الحقيبة لم تنفجر. فطلب منه “أبو النور” استرجاعها ليعود ويكلّفه بعد حوالي شهر بتكرار المحاولة، إلّا أنّ هذه المرّة شكّ بهم أحد الأشخاص المولجين حراسة المكان وأطلق النّار عليهما ليصيب علي في خاصرته واسماعيل في رقبته.
خلال استجوابهم، نفى المدّعى عليهم هذه الوقائع، رغم تطابق إفاداتهم، ليشيروا إلى أنّها انتزعت منهم “تحت الضرب والتعذيب الجسدي والنفسي”. فأكّد ابراهيم أنّ لا عمل عسكريا لـ”الحرّ” داخل الأراضي اللبنانيّة.
كما نفى ما رواه في إفادته الأوليّة بأنّه اشترك أيضاً في عمليّة اغتيال رئيس “الهيئة الإيرانية لإعمار لبنان” المهندس حسام خوش في سوريا، قائلاً: “لم أسمع سابقاً بهذا الموضوع ولم أقله”.
“فيلم أكشن” وزفّة!
أمّا اسماعيل فلم يعرف كيف ينفي إفادته الأوليّة، خصوصاً أنّها تتضمّن ثلاث صفحات كاملة روى فيها تفصيلياً كيف استلم الحقيبة المفخّخة وكيف فكّ أرقامها السريّة وكيف أشعل الفتيل.. فما كان منه إلّا أن برّر أنّ كثرة التعذيب لدى الأجهزة الأمنيّة جعلته في حالة بين الوعي واللاوعي ليروي للمحققين “فيلم أكشن” كان قد حضره قبل مدّة من توقيفه وفيه مشاهد عن الحقائب المفخّخة!
كما أنكر اسماعيل التّهم المسندة إليه، وفعل حمزة ص. أيضاً لافتاً الانتباه إلى أنّ علاقته بـ”أبو النور” كانت بقصد بيع الألبسة بالجملة، ومشيراً إلى أنّه لا يملك أفكاراً متشدّدة، بل “أنا عايش لراسي وكل يوم مع مجموعة نساء”.
أمّا الصدمة فكانت حينما تُلي أمامه بعض من المحادثات التي حصلت بينه وبين “أبو النور” وأبرزها ما قاله له: “ما تعتل هم الشباب جاهزين للموت”، ليردّ أن مقصده كان بشأن حاجة “أبو النور” لبعض الشبان الذين يقومون بزفّة في إحدى حفلات الأعراس!
“أبو خليل المقلعط”
وفي “العسكريّة” أيضاً، فإنّ البحث ما زال مستمراً عن “أبو خليل المقلعط” الذي كان يُعدّ الذراع اليمنى لأسامة منصور واشترك في عمليّات القتال ضدّ الجيش في التبانة، بالإضافة إلى زرع عبوات تستهدف عسكريين ومدنيين.
وتحوم الشكوك حول الموقوف المصري ابراهيم عبدالله، الذي مثل نافياً، رداً على سؤال لرئيس “العسكرية” العميد حسين عبدالله أن يكون “أبو ابراهيم”، قائلاً: “أنا أبو أحمد.. بس اللي بدّك ياه”. فيما استطاع رئيس “العسكريّة” السابق العميد الرّكن المتقاعد خليل ابراهيم الإيقاع بصهر “المقلعط” الذي اعترف بأنّه ابراهيم عبدالله.
وبرغم أنّ الجلسة أرجئت بسبب عدم تعيين “أبو خليل” محامياً، إلّا أنّ أعضاء “هيئة العسكريّة” صاروا جميعهم يعرفونه، بمن فيهم رئيس “العسكريّة” الجديد الذي قال بصوتٍ خافت: “هيدا اللي عامل السبعة وذمّتها”!