كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
يفضّل «حزب الله» التعاملَ بهدوء مع ملاحظاته المستجدّة على العهد الجديد، على رغم أنّه يعتبرها إرهاصات توجّهات مزعجة له، ولكنّه لا يزال يعتقد بثِقة أنّ في الإمكان تذليلها، ومِن الأفضل فعلُ ذلك باكراً.قبَيل وصوله إلى الرئاسة كان يشيع تقدير في «حزب الله»، يفيد أنّ العلاقة مع العماد ميشال عون سهلة وسلِسة جداً حينما يكون النقاش في أمور استراتيجية، أمّا عند نقاش التفاصيل المحلّية، فالحال يكون صعباً وشاقّاً.
هذه المرّة، وربّما هي الأولى، التي يلمع فيها في أفق العلاقة بين الحزب وعون إمكانية تبايُن على أمور استراتيجية، وهي تقع في ثلاث نقاط يَرغب الحزب من العهد الجديد تجنّبَها، وهي بالنسبة إليه تُقارب أن تكون خطوطاً حمراً، فيما عون لا يَزينها بهذا المقياس نفسِه:
ـ اللا الأولى، تتوقف الكواليس المتابعة لهذا السياق المستجدّ من علاقة «الحزب» بعون، عند محطة زيارة الأمير خالد الفيصل لبيروت، بصفتها محطة أساسية، وليست الأولى، المسؤولة عن جعلِ الحزب يرى أنّ حال العلاقة بينه وبين العهد الجديد، تحتاج إلى ترشيد مبكر، أو نوع من تأكيد الثوابت التي تَجمع الطرفين.
فالزيارة في شكلها تختلف عن زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان، فالأخيرة جاءت لترتّبَ البيت السنّي وراء قيادة الرئيس سعد الحريري، وحملت رسالة بأنّ السعودية تخلّت عن سياسة إدارة الظهر للبنان، بينما زيارة الأمير خالد مثّلت مدى الثِقل الذي ترغب السعودية أن تعطيَه لحضورها في لبنان.
فالأمير خالد يمثّل داخل معادلة الحكم في السعودية عصَباً أساساً له علاقة بمعادلات كبرى داخلية وخارجية، ويشكّل قيمةً ارتكازية للملك سلمان بن عبد العزيزعلى غير صعيد.
وكلّ هذه المعاني توضح أنّ إيفاده إلى بيروت لتهنئة عون هو رسالة للأخير من الرياض من العيار الثقيل حول رغبتها بالانفتاح عليه. وكان يمكن لـ«حزب الله» تأخير ردّ فعلِه على هذه الرسالة السعودية ذات النوعية الملفِتة، لولا تصريح للأمير خالد من «بيت الوسط» قال فيه إنّ «أوّل زيارة لعون ستكون إلى الرياض».
توحي عبارة الأمير خالد الآنفة، وكأنّه أنجَز اتّفاقاً مع عون على أن يبدأ الأخير زياراته الخارجية بمحطّة الرياض. معروفٌ أنّ رؤساء الجمهورية في عهد الجمهورية الأولى كانوا يدشّنون زياراتهم الخارجية بباريس، وفي عهد الوجود السوري بدمشق، وضمن هذا العرف فإنّ مبادرة عون لاعتبار الرياض محطّته الخارجية الأولى توحي وكأنّها تنطوي على خيار إقليمي سياسي للعهد، أو مراعاة سخية لهذا الخيار.
في هذه النقطة يريد الحزب التأكّد من أنّ عون رئيس الجمهورية، سيظلّ وفياً لـ»القالب الاستراتيجي» أو للمنظومة الإقليمية الاستراتيجية التي أوصَلته إلى رئاسة الجمهورية. من وجهة نظر الحزب لا تَعني هذه الملاحظة عدمَ اعترافِه بالهامش الخارجي الذي يحتاجه رئيس الجمهورية، ولكن عليها أن لا تصطدم بسقف مصالح المحور الإقليمي للحزب الذي أوصَله إلى بعبدا.
بعض التسريبات الموثوقة، تقول إنّ عون أكّد للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله خلال اتّصاله به إثرَ زيارة الأمير خالد، أنّه أعلمَ كلَّ زوّاره الإقليميين أنّه صاحب قرار مستقلّ وأنّه لن ينحاز إلى رغبات هذا الطرف الإقليمي أو ذاك لجذبه إلى محوره. لكنّ الحزب مع هذا الإيضاح، يبدو أنّه يَنزعج من إعطاء العهد الجديد انطباعاً، ولو في الشكل، يوحي بأنّه يعطي أولوية للسعودية على إيران وسوريا.
ـ اللا الثانية التي يرى الحزب أنّه معنيّ بإيضاحها لعون تتعلّق بتضخّم دور «القوات اللبنانية» داخل العهد الجديد. من الأساس وصَف نصرالله ترشيحَ جعجع لعون، بأنّ فيه شبهةً. ويقول تقدير الحزب إنّ «القوات» تريد أخذَ العهد الجديد إلى ثنائية مارونية تشقّ طريقاً ملتوياً هدفُه النهائي إحداثُ صِدام بينه وبين المقاومة.
وهذا التقدير الاستراتيجي هو سببُ امتعاض الحزب من الحصّة التي نالتها «القوات» في الحكومة العتيدة، كونها تؤشّر إلى حجمها السياسي المعتبر داخل العهد وليس في الأساس داخل الحكومة. وتؤشّر أيضاً إلى امتلاكها منصّات لتطوير هذا التأثير مستقبلاً على العهد. وأبرز هذه المنصّات تتمثّل في اتّفاق الثنائية الانتخابية مع «التيار الوطني الحر» خلال الانتخابات التشريعية المقبلة.
لا يُنكر الحزب أنّه خلال إبرام «التيار» لـ»تفاهم معراب» مع «القوات»، كان العونيّون يُطلعونه على تفاصيله أوّلاً بأوّل، وآنذاك لم يكن الحزب راضياً عن كلّ بنوده، لكنّه غضَّ النظر لدعم جهد إيصال عون لبعبدا.
لكنْ يحتاج اليوم لرؤية مراجعة للجانب ذي الصِلة بتحالف «التيار» الانتخابي مع «القوات»، ومراعاة أن لا يكون على حساب الحلفاء المشتركين، ولمصلحة تعميق لون جعجع داخل العهد، وفي الأساس لمصحلة خلقِ مناخ مسيحي شعبي عارم على قياس تفكير «القوات» السياسي.
ـ اللا الثالثة، تتعلق بعدم تحوُّلِ التحالف الانتخابي العوني – «القواتي» تحالفاً انتخابياً ثلاثياً يضمّ إليه تيار «المستقبل». فمِن وجهة نظر الحزب يُعَدّ هذا التطوّر انقلاباً سياسياً وليس تحالفاً انتخابياً.