قلّلت أوساط سياسية لبنانية بارزة من أهمية التسريبات التي تحدّثت عن مهلةٍ تنتهي في نهاية الاسبوع الجاري لتلقي الأجوبة الحاسمة في شأن تشكيل الحكومة الجديدة، معتبرة أن الحديث عن هذه المهلة لا يعدو كونه دساً لنبض القوى السياسية حيال الاتجاه الى تحديد مهلة معيّنة اذا تمادت التعقيدات في تأخير ولادة أولى الحكومات في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون.
ولاحظت الأوساط عبر صحيفة “الراي” الكويتية أن مصدر تسريب الكلام عن مهلة جاء من جانب دوائر محيطة برئيس الجمهورية وليس من دوائر القريبين من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الذي تلفت الأوساط الى أنه بعد مرور ذكرى الاستقلال في 22 تشرين الثاني الحالي امتنع تماماً عن الحديث أو الالتزام بأيّ مهلة زمنية ولو من الناحية المبدئية، باعتبار أن لا شيء في الدستور يلزم الرئيس المكلف بمهلة معيّنة لتشكيل الحكومة.
لكن تسريب المعلومات عن مهلة نهاية الاسبوع الجاري اكتسب دلالاته لجهة ما تؤكده الأوساط نفسها من أن رئيس الجمهورية لن يبقى متفرّجاً على لعبة استهلاك الوقت امام بداية عهده وفي طريق تأليف الحكومة ويبدو أنه باشر اتصالات بعيدة من الأضواء في هذا الاتجاه ينتظر أن تتبلور نتائجها في الأيام القليلة المقبلة. وكان بارزاً في هذا السياق ما أورده تلفزيون otv في نشرته الإخبارية ليل الاثنين من “أن موعد الأجوبة الحكومية الحاسمة بات محدداً مع نهاية هذا الأسبوع وبعدها تصير الهوامش ضيقة والخيارات قليلة لأن البلد لا يمكنه أن ينتظر”.
وجرى التعاطي مع هذا المناخ على انه في سياق لعبة “عض الأصابع” السياسية المستعرة على جبهة التأليف وسط اقتناع بأن اي خيارات أحادية من مثل إعلان حكومة أمر واقع بمعزل عن توافق عام دونه تعقيدات ومخاطر تجعل الرئيس الحريري اولاً يحاذر توقيع مثل هذه التشكيلة، ناهيك عن تداعيات خطوة كهذه لجهة إدخال البلاد في مواجهة مبكّرة لن تكون في مصلحة العهد الجديد، ولا سيما ان الثنائي الشيعي اي الرئيس نبيه بري و”حزب الله” ربطا وجودهما في الحكومة بـ “تحصيل حقوق” حليفهما المسيحي النائب سليمان فرنجية الذي تدور بينه وبين الرئيس ميشال عون معركة “تصفية حسابات” ذات صلة بالانتخابات الرئاسية كما بخشية فرنجية من انعكاسات التفاهم المسيحي بين عون و”القوات اللبنانية” على نفوذه شمالاً وتالياً على مجمل مستقبله السياسي.
وقد رأت الاوساط في الحملة ضد الوزير جبران باسيل رسالة اعتراض ضمنية من الثنائي الشيعي الى الرئيس عون حول التداعيات السلبية التي قد ترتّبها عليه سياسات صهره، لافتة الى أن عون سيجد نفسه مضطراً للتعامل مع هذه الحملات بأنها رسائل جدية للغاية ولا يمكنه تجاهل مضامينها وأثرها على عهده.
كما اعتبرت الأوساط أن هذه الحملات تستهدف علناً وبشكل واضح تثبيت حصة وازنة للثنائي الشيعي مع فرنجية وبعض الحلفاء الآخرين، معربة عن اعتقادها أن هذا التدافع الخشن لم يطح كلياً بعد المعالم التي وضعها الحريري للتركيبة الحكومية بما يعني أن ليس هناك اتجاهاً لإطاحة مهمة الحريري وانما إعادة توزيع للحقائب كمّاً ونوعاً بما يريح الثنائي الشيعي امام ما يصفه بانتفاخ حصة “القوات اللبنانية” و”التيار الحر” بالاضافة الى حصة رئيس الجمهورية.
وفيما تترقب هذه الأوساط ما ستحمله الايام القليلة المقبلة من معطيات، فإنها ترى أن أي تمادٍ في تأخير مسار التأليف لأبعد من مشارف عيد الميلاد أو تصاعُدٍ في الحملات المحسوبة على الثنائي الشيعي في تظهير الرفض لحصة “القوات” والتمسك بعدم دخول الحكومة دون مشاركة فرنجية الذي يتشبث بالحقيبة التي يطرحها سيعكس أن شدّ الحبال الحاد الجاري ربما تَجاوز أبعاده الداخلية الى أبعاد إقليمية أوسع ذات صلة بالتطورات في المنطقة.