جريمة الاغتصاب من بين أبشع الجرائم واشنعها، ولكن كيف سيكون الحال في حال حاولنا ترميم الجرح عبر تزويج المجرم المغتصب ضحيته البريئة والتي تكون في أغلب الأحيان تحت عمر الـ18 عامًا؟! فمن ناحية يتمّ انتهاك حقوق الفتيات عبر إرغامهنّ الزواج تحت السن القانوني ومن ناحية أخرى إرغامهن الزواج من المغتصب، وفي كلتا الحالتين الأمر غير مقبول.
مؤسّسة “أبعاد” – مركز الموارد للمساواة بين الجنسين والتي تسعى لتعزيز المساواة بين المرأة والرجل ومشاركتها في المجتمع من خلال وضع السياسات، والإصلاح القانوني، والقضاء على التمييز، وتعزيز وتمكين المرأة من المشاركة بصورة فعالة وكاملة في المجتمع، أطلقت حملة لإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات بناء على طلب من النائب إيلي كيروز ونظمت وقفات احتجاجية امام المجلس النيابي تزامنا مع انعقاد لجنة الإدارة والعدل التي تبحث في قرار إلغاء المادة، ولكن حتى الساعة لم يتخذ اي قرار بإلغائها.
والجدير ذكره، أنّه بحسب احصاءات قامت بها المؤسسة فإنّ 1% من اللبنانيين يعرفون ما هي تلك المادة وعلى ماذا تنص، فيما 81% من اللبنانيين وبعد اطلاعهم عليها يعتبرون أنّ المادة 522 تظلم المغتصبة وتحرمها من حقوقها.
لذلك رفعت المؤسسة الصوت في حملات عدّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “الأبيض ما بغطي الاغتصاب” و#ما_تلبسونا_522 و#ألغوا_المادة_522 وأطلقت فيديو ترويجي يشرح بشاعة الصورة.
فهل سنصل يومًا ما الى إلغاء المادة 522 التي تسامح المغتصب وتعاقب المغتصبة؟
1% من اللبنانيين يعرفون بالمادة 522
المنسقة الإعلامية في مؤسسة “أبعاد” عليا عواضة تؤكد في حديث لـIMLebanon أنّ “حملة إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات بدأت منذ أكثر من 4 أشهر وانطلقنا بها رسميًا بمناسبة فعاليات حملة الـ16 يومًا العالمية لمناهضة العنف ضدّ النساء”، وتضيف: “كان هناك حملات وأنشطة عدّة بدأنا بها فشاركنا في الماراتون ونظمنا مباراة كرة قدم لرفع الوعي بشأن تلك المادة لأننا قمنا باستطلاع رأي وتبين أن 1% فقط من اللبنانيين يعرفون بالمادة 522”.
“لجنة الادارة والعدل تناقش مشروع إلغاء المادة 522 الذي تقدم به عضو اللجنة النائب إيلي كيروز وتزامنا قررنا ان نقوم بحملات من أمام مجلس النواب لرزع الوعي عن الناس”، تضيف عواضة.
تزويج المغتصب للضحية معيوب وباطل
من جهتها، توضح المستشارة القانونية لمؤسسة “ابعاد” المحامية دانيال حويك في حديث لـIMLebanon أنه “ليس من المستحيل إلغاء المادة 522 ولا يفترض أن نواجه عقبات إذا المجلس النيابي لا يريد أن يضع عقبات، المادة جاءت في الفصل الاول من قانون العقوبات الذي يتحدّث عن الاعتداء على العرض والجرائم المخلة بالآداب، وهي الاغتصاب والخطف والفحشاء والاغواء وغيرها، وفي نهاية المادة تنص على أنه في حال تزويج الفتاة من المغتصب يعفى من العقوبة، ونشدد على كلمة تزويج لانه يتم تزويج الفتاة من دون ارادتها الحرة وخيارها الحرّ”.
وتضيف: “هذا الزواج معيوب وباطل لأنه ليس زواجًا صحيحًا، فجريمة الاغتصاب يجب ان تتم المعاقبة عليها قانونا وعدم السعي خلف ايجاد تبريرات واسباب تخفيفية للالتفاف على القانون عبر تزويج الضحية للمغتصب لكي يحصل على حرية اغتصابه لها ساعة ما يشاء من دون أن يكون هناك اي جرم”.
“عقوبة الاغتصاب تبدأ من ثلاث سنوات سجن وصولا الى 15 سنة وذلك حسب الحالة، ففي حال لم ترفع دعوى بحق المغتصب فهناك حق عام يجب أن يحاسب على جريمته، وفي حال اغتصب الفتاة بعد خطفها وضربها فهنا العقوبة تختلف وتكون مرتفعة”، تكشف حويك.
لإلغاء المادة ونقطة على السطر
وتشدّد على أنّه “من حق المغتصبة أن تقول لا للزواج من الرجل الذي اغتصبها مرّة وبالتالي يتم اغتصابها على مدى الحياة من قبل هذا الزوج، فالحل أبدا ليس بتزويج المغتصبة من المغتصب بل هو بمعاقبة المجرم، لأنّ الاغتصاب مثله مثل أي جريمة يتمّ خلاله انتهاك حرية واجساد وكرمات النساء، و”أبعاد” تحاول رفع الوعي حول مدى إجحاف تلك المادة بحق النساء وكرامتهن الانسانية وخصوصا الفتيات”.
وتتابع: “لجنة الادارة والعدل هي المسؤولة عن تقديم مشروع إلغاء القانون وللاسف يتم التداول بتعديل المادة، ونحن مطلبنا واضح لان المادة لا تحمل أي تعديل، فالمادة تشكل انتهاكا واضحا وصريحا والحل لا يكون إلا بإلغائها، وابدا التعديل ليس الحل لهذا الموضوع والإلغاء هو الامر الاساسي الذي يجب ان يتم”، وتضيف: “ليس أمامنا نص مشروع تعديل القانون بل فقط نص إلغاء المادة المقدم من النائب إيلي كيروز والمشروع ينص على إلغاء المادة ونقطة”.
لعدم الإلتفاف حول القانون
أمّا حويك، فتشير الى أنّ “النواب يحاولون ايجاد بعض المخارج ولكن بكل الحالات هذا الامر يعد جريمة ولا يجوز الالتفاف حول القانون وتعديله ونحن على ابواب العام 2017، خصوصًا أن هناك دول عربية كثيرة أقرّت الغاء هذا القانون بالمطلق من دون أي تعديل، فالاغتصاب جريمة والمفروض أن يعاقب عليها المجرم حتى لو لم يكن هناك اي شكوى مقدمة بحقه”.
الضحية يجب أن تعلم أنّ لها الحق بالتعويض العادل ومن حقها تقديم شكوى، والمغتصب يجب أن يسجن وأن تحصل الضحية على محاكمة عادلة وأن يقدم المجرم كل التعويضات اللازمة ويتكفل بكل النفقات لمعالجتها، وهكذا تنخفض الجرائم وبتلك الطريقة نحافظ على شرف المرأة”، تؤكد حويك.
3 نساء في الأسبوع يتمّ اغتصابهنّ!
أمّا بالنسبة لحالات الاغتصاب وإعدادها، تلفت عواضة الى أنّ “ليس هناك أرقامًا رسمية لتلك الحالات ولكن بحسب استطلاعات الرأي فهناك عدد كبير من الأشخاص قالوا إنّهم يعرفون حالات كثيرة، ولكن حسب إحصاءات صادرة عن مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في قوى الأمن الداخلي، فإنّ كل أسبوع هناك 3 نساء يقدّمن بلاغات عن تعرضهنّ لعنف جنسي ومن ضمنها الاغتصاب، ولكن علينا الا ننسى أن هناك عددًا كبيرًا من النساء اللواتي لا يبلغن عن تعرضهنّ للاغتصاب بسبب وصمة العار التي يفرضها المجتمع، لذلك لا يتمّ التبليغ عن كلّ الحالات، ولكن إذا الحالات التي يتم التصريح عنها أعدادها هائلة فكيف لو تمّ التصريح عن كل الحالات”؟
في حال لم يتم التجاوب معنا وإلغاء المادة، فنحن سنستمرّ في حملاتنا الاعلامية وعلى الارض وسنتابع مع النواب الموجودين في لجنة الادارة والعدل كي نوضح المفاعيل السيئة لتلك المادة لكي نصل الى النتيجة المرجوة”، تؤكد عواضة.
وتشير الى أنه “خلال عام 2016 لحين شهر تشرين الاول 23% من الحالات التي وصلتنا كانت حالات عنف جنسي والعمر يتراوح من عمر 3 سنوات حتى 29 عاما، فالاغتصاب لا ينظر للعمر بينما هذه المادة تسري على كل الناس، فإذا كان عمر المغتصبة 3 سنوات أو 50 عامًا المادة سارية المفعول، فهل يجوز تزويج فتاة عمرها 10 سنوات من المغتصب كي لا يعاقب”؟
الفتاة ليست مكافأة للمغتصب
من ناحيتها، تلفت حويك الى أنّ “من واجبنا المطالبة بإلغاء المادة وسنكمل المسار وسنذهب الى النهاية من أجل التوصل الى الغاية المنشودة وهذا واجب على المشرعين أن ينظروا بالعين العادلة لأفراد المجتمع كافة”.
وتضيف: “القانون لم يحدد حدّ أدنى للزواج بجرم الاغتصاب ونحن نرفض التمييز فالإغتصاب إغتصاب مهما كانت الأسباب، ولكن في حال كانت الفتاة قاصر فيجب تشديد العقوبة ولا يجوز تزويجه الفتاة ترضية له فالفتاة ليس مكافأة للمغتصب”.