كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
لا حاجة لانتظار وقوف سعد الحريري على منبر التعبئة الانتخابية، لتلمّس نَفَس الرجل في نسخة “الإياب” الى نادي رؤساء الحكومات. فالمكتوب يُقرَأ من عنوانه. وعنوان الـ2017 يكاد يكون انقلابياً مقارنة بعنوان الـ2005 ومن بعده الـ2009.
بالأمس، جمع الرجل أركان تياره، قيادات ومحازبين، لمشاركتهم أفكاره السياسية حول الخطة التي ستحكم علاقته بكل المكوّنات في عهد ميشال عون. لا مكان بعد الآن للعزف على وتر الاصطفاف السياسي الحادّ بين 8 و14 آذار.
عملياً، سبق لـ”الحريريين” أن مهّدوا لهذه الجولة من ربط النزاع مع “حزب الله”، من خلال جلسات الحوار الثنائية بضيافة الرئيس نبيه بري في عين التينة..
وفي انتظار خروج الحكومة العتيدة من نفق التجاذب السياسي، خصوصاً بين “التيار الحر” و”تيار المردة”، ثمة من يعتقد أنّ القوى السياسية بدأت تتعامل مع “قانون الستين” على أنّه قانون الأمر الواقع الذي سيحكم الانتخابات النيابية المرتقبة في نهاية أيار المقبل.
قد يحاول العونيون أخذ النقاش الى مربع تعديل قانون الانتخاب، ولكن هذا لا يعني أبداً أنهم لن يكونوا مرتاحين لخوض الاستحقاق على أساس النظام الانتخابي القائم، ربطاً بالتفاهم الثنائي مع “القوات”، خصوصاً أنّ الخلاف العميق حول مشاريع القوانين الانتخابية قد يمنع دفن “الستين”.
هكذا، قد تلتقي مصالح الأضداد والخصوم في لحظة فتح صناديق الاقتراع، مثلما يرجّح أن يطال الانقلاب الحقيقي، الخطاب الانتخابي والتحالفات. يقول أحد المتابعين إنّ اللبنانيين موعودون باستحقاق استثنائي في عنوانه الأساس. أقل ما يُقال فيه، إنّه مكتوم القيد السياسي.
لا يمكن بعد اليوم تخيّل سعد الحريري يفرغ راجمات صواريخه ناحية الضاحية الجنوبية، التي اشتغل بيديه ورجليه كي يأتي بحليفها ميشال عون رئيساً للجمهورية. فـ”حزب الله” صار حليف الحليف، سواء اعترف الرجل بذلك أم اختبأ وراء اصبعه. أضف الى حرصه على عدم التفريط بعلاقته الممتازة مع سليمان فرنجية، حتى لو تركه في وسط البئر الرئاسية، لكنه في المقابل قد يمدّ له يد العون النيابي!
بالنتيجة، سيكون الرجل مضطراً للتدقيق في معجم الشعارات السياسية بحثاً عما يناسب عهد التفاهم ويلائم شروط الجلوس الى طاولة واحدة مع “حزب الله”، بمعزل عما إذا بقي الحزب في سوريا أم عاد منها.
ولـ”التيار الوطني الحر” أيضاً اعتبارات ستدفع به إلى إعادة صياغة خطابه السياسي الذي سيخوض من خلاله الاستحقاق النيابي. فـ”الجنرال” بنى زعامته على مظلومية التهميش والحقوق المهدورة على أيدي الحريرية السياسية، بينما سعد الحريري صار شريك السلطة التنفيذية التي يجلس “الجنرال” على كرسيّها المخملية، فيما كتاب “الإثراء غير المشروع”، صار “غير مشروع” في زمن التفاهمات. أما الخصومة التاريخية مع “القوات” فقد صارت وراء ظهر “التيار الحر”.
ولا يمكن في المقابل، مواجهة قوى 14 آذار في خطابها السياسي وتحميلها مسؤولية “صلب المسيح”، طالما أنّه لم يبق منها الا أمانتها العامة العاطلة عن العمل.
حتى “القوات” باتت تسير بحذر في حقل ألغام خطابها. ولا يجوز تحميل “محور الشرّ”، شرّ كل بلية تصيب اللبنانيين، طالما أنّها شريكة النصف مع هذا “المحور” بشقه البرتقالي. وبطبيعة الحال، سيسعى سمير جعجع الى تمتين تفاهمه مع “التيار الوطني الحر” وسيحرص على تعزيز أواصره أكثر فأكثر من دون أن يتخلى عن حليف السنوات العشر، أي “تيار المستقبل”.
إذاً، هو زمن الاختلاط بين أوعية القوى السياسية التي سيكون عليها العمل جاهدة للتفتيش عن عناوين سياسية جديدة تستقطب بها جماهيرها عشية فتح صناديق الاقتراع.
في ضوء ذلك، يبدو أنّ مشهدية الانتخابات ستكون واحدة من اثنتين:
ـ إما تفاهمات موضعية “على القطعة”، قد تختلف باختلاف المنطقة، فيسقط الاصطفاف السياسي الشامل، ليحلّ محله المعيار المناطقي، تسويةً أو معركةً، على طريقة الانتخابات البلدية التي شكلت لوحة سوريالية اختلط فيها الحابل بالنابل.
ـ وإما تفاهم واسع يشبه إلى حد كبير “التحالف الرباعي”، لكن هذه المرة ليس بوجه ميشال عون، إنما سيكون الأخير في صلبه، ليصبح السؤال: بوجه مَن سينعقد النصاب السياسي لهذا التحالف، هل بوجه “حزب الله” أو “تيار المردة” أم بوجه نبيه بري أم هؤلاء معاً؟