يخوض رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة قبل نحو شهر معركة مزدوجة الابعاد، يتصل البعد الاول منها بتثبيت حصة الحلفاء، اصحاب كتلة الاوراق البيضاء في الانتخابات الرئاسية ولا سيما تيار المردة، بحقائب وازنة، والثاني تكريس العرف القاضي بمنح حقيبة “المال” للطائفة الشيعية مستندا الى مضمون النقاشات التي جرت خلال الاجتماعات التي انتجت اتفاق الطائف، اذ يعتبر “ان هذا الاتفاق حسم موضوع وزارة المالية ، بأنها من حصة الطائفة الشيعية على قاعدة أن توقيع وزير المالية على المراسيم هو التوقيع الشيعي الوحيد في السلطة التنفيذية، بحسب قوله، ويدعو الى مراجعة الرئيس حسين الحسيني الذي كان آنذاك رئيسا للمجلس النيابي حول ما جرى الاتفاق عليه لجهة التوقيع الشيعي عبر وزارة المال”.
وبعيدا من المتاريس التي ترفع في وجه تشكيل الحكومة من “الثنائي الشيعي” الذي تعتبر اوساط قريبة من عرابي العهد عبر “المركزية” ان مراميها تتخطى الحكومة في حد ذاتها الى رغبة ضمنية بتعطيل انطلاقة العهد كون مشروعه المرتكز الى بناء الدولة لا يتناسب واهداف مشروع حزب الله الاستراتيجي، تستغرب أوساط نيابية شاركت في “الطائف” ان يركن رئيس المجلس الضنين بالقانون والدستور الى محاضر نقاشات جرت على هامش اجتماعات الطائف ليعتبرها دستورا قائما في حد ذاته يفترض ان يلتزمه اركان الدولة وتحديدا الرئيس المكلف في تشكيل حكومته، في حين ان وثيقة الطائف التي ذُيلت بتواقيع ملوك ورؤساء عرب لم تأتِ على ذكر هذا الموضوع ولا تطرقت اليه في اي بند من بنودها. وتفيد الاوساط ان كل ما يثار في شأن تفاهمات جرت في الطائف لتخصيص حقائب لطوائف وحصص لكتل نيابية في الحكومة، ولئن كان صحيحا وواقعا، يبقى غير ملزم تماما كما افكار اخرى كثيرة طرحت في مسودة النقاشات وتم التفاهم عليها ربما، الا انها لم تبصر النور ولم تدون رسمياً في وثيقة الطائف بما ينزع عنها صبغتها الدستورية لتبقى في إطار التفاهمات غير الملزمة. وتقول الاوساط في هذا المجال ان مقولة وجوب اسناد حقيبة المال للشيعة، لو كان متفقا عليها ومكرسة دستوريا، لما اسندت في سلسلة حكومات تشكلت منذ الطائف وحتى اليوم الى شخصيات من غير الطائفة الشيعية، تماما كما عدم اسناد حقيبة لرئيس الحكومة وفق ما يتردد، ذلك ان الرئيس رفيق الحريري الذي رأس الحكومة الاولى بعد الاتفاق كان هو نفسه وزير المال في حين سمى الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك وزير دولة لشؤون المال، وقد تنقلت الحقيبة بين وزراء من طوائف مختلفة، تارة مارونية (جهاد ازعور) واخرى سنية (السنيورة وريا الحسن) وغيرهم.
واذ تستغرب “الاستفاقة” المتأخرة للرئيس بري على هذا العرف، تربط بين المطالبة الشيعية بحقيبة المال و”الصحوة” الارثوذكسية على مطالب الطائفة في الحكومة معتبرة ان ثمة من يحاول توجيه البوصلة في الاتجاه الطائفي والمذهبي لتبرير وشرعنة مطالبه، الا ان ما بات مثبتاً بالقرائن والوقائع والممارسات ان مجموع هذه الشروط والطروحات ما هو سوى الوجه الاخر للرغبة في عدم تسيير عجلات العهد الرئاسي نحو محطة اعادة بناء الدولة القوية، وان وصول الرئيس ميشال عون الى بعبدا حصل على غفلة من “الثنائي الشيعي” وتحديدا حزب الله الذي لم يكن يريد لا رئيسا ولا عونًا، وفق ما تقول الاوساط، لان هدفه الوحيد كان استمرار الفراغ وصولا الى اعادة تكوين السلطة لتثبيت المكون الشيعي فيها على اساس الشراكة، خلافا لمعادلة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين المنصوص عليها في اتفاق الطائف. وتختم: اذا كان هذا ما تريده الطائفة الشيعية فلتكن اذا قاعدة الحكم “مرابعة” لا “مثالثة” باشراك الارثوذكس لتصبح المعادلة: ماروني-ارثوذكسي من جهة وسني- شيعي من جهة ثانية، فتبقى المناصفة قائمة.