كتب عمار نعمة في صحيفة “السفير”:
لا تبدو اليوم الطائفة السنية في لبنان في أفضل أحوالها.
لعلها مرحلة تيه تلك التي تمر فيها في خضم وضع مذهبي ملتهب في معظم المنطقة.
هل تساعد عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة في إحداث خرق على هذا الصعيد في لبنان؟
يبدو وضع الرئيس المكلف معقدا بعض الشيء. أقله، تياره لم يعد يتصدر القائمة على الصعيد السني. لكن بعض المراقبين لخريطة القوى السياسية السنية يشيرون الى محاولة “اختزال” يقوم بها الحريري لواقع الطائفة لا تفيدها في محاولة حجز مكان لها على طاولة الطوائف اللبنانية.
يستدل هؤلاء على ضعف موقف الحريري، لكونه اندفع الى تسوية داخلية ليست في مصلحته او في مصلحة الطائفة، وقد كان في إمكانه الصمود قدر الإمكان في محاولة التوصل الى سلة تفاهمات تشمل الحكومة وتوازناتها، ولا تقتصر على رئاسة الجمهورية وعودته الى السرايا الكبيرة.
لكن الحريري، حسب المتابعين، لم يلجأ الى عقد تفاهم مع أفرقاء آخرين على الساحة السنية كالرئيس نجيب ميقاتي و “الجماعة الإسلامية”، ما كان من شأنه تقوية وضعه التفاوضي على أساس ثوابت مشتركة، علما ان وصول العماد ميشال عون الى سدة الرئاسة، بدفع من الحريري، جاء مغايرا للنبض السني العام في البلاد.
وثمة وجهة نظر تقول إن عون تحول من دوره “الوطني” في أواخر الثمانينيات، الى رفع شعارات طائفية بامتياز، ما أوجد حساسية لدى الجمهور السني. وبات على رئيس الجمهورية اليوم إثبات احتضانه للجميع في سبيل “المصالحة” الحقيقية مع الوجدان السني.
في ظل هذا الواقع السني الهش، بات من غير المستغرب تسلل تيارات متطرفة الى الساحة السنية، مستفيدة من الواقع الملتهب في المنطقة. وبرغم أن تلك التيارات لم تجد الموطئ الحاضن لها في الشارع السني المعتدل والوطني والعروبي، كان في الإمكان اكثر مما كان لو لجأ الحريري الى التنسيق مع خصومه على الساحة، وهو أمر في مصلحة الحريري كما في مصلحة غيره.
على أن ثمة عملا كبيرا يجب على القيادات السنية ان تقوم به للنهوض بواقع الطائفة التي تفتقر الى مرجعية خارجية، سواء أكانت عربية أم إسلامية.
في الماضي، اتكأ السنة اللبنانيون على مصر في ظل زعامة جمال عبد الناصر، من دون ان يعني هذا انقيادهم الى مشروع مذهبي كان عبد الناصر بعيدا منه كل البعد.
اليوم، لا مرجعية عربية من الطراز نفسه. ينظر السنة بحسرة الى سقوط دور بغداد، مثلما يؤلمهم غياب القاهرة ومعاناة دمشق، في ظل تراجع دور الرياض داخليا وخارجيا..
وأدى افتقاد السنة في لبنان للمرجعية الى شعور سني عام في لبنان بـ “التخلي”. ويلفت المراقبون النظر الى ان هذا الشعور يحصل “بسبب رغبة سنة لبنان بالانتماء الى مشروع حاضن غير متوفر. وزاد من وطأة الشعور بالعجز والفراغ تماهي شيعة لبنان مع مشروع إقليمي صاعد، رأس حربته إيران التي تتبنى استراتيجية مسيطرة في المنطقة”، على حد تعبير هؤلاء.
على ان أهم ما يجب ان يلتفت اليه سنة لبنان، في سبيل الخروج من دوامتهم، تحديد رؤيتهم الاستراتيجية في إطار المعادلة اللبنانية، ثم الشروع في سياسة غير هجومية، لكنها ثابتة، في محاولة لفرض تسوية تجعل من دور السنة رئيسيا في البلاد، مؤداه الوحدة، لكن الأهم، تأكيد الواقعية السياسية، وعدم ربط سنة لبنان أنفسهم بمحور خارجي خاسر. ويشير المراقبون الى ان ربط البعض نفسه بمشروع معين في سوريا قد أدى به الى خسارة تلو الأخرى، حتى بات، والحال هذه، من المتعذر ان يحد من خسائره والبحث عن تسوية تضمن ماء وجهه.
ولعل ما يجب على السنة التركيز عليه في الفترة المقبلة هو إظهار دورهم الوحدوي الذي لطالما أدته تلك الطائفة لبنانيا وعربيا واسلاميا، وتأكيد حماية وحدة لبنان بوجه اي محاولات للتقسيم. أما الهدف الثالث الهام الذي على السنة الاضطلاع به، فيتمثل في الالتفات الى مصالح الناس الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
في ظل دور كهذا، يتصدى السنة اللبنانيون لمهامهم الحقيقية وأساسها القبول بالآخر وعدم الاستخفاف بالرأي العام، كما عبر التأكيد انه لا يمكن لقيادة واحدة اختزال واقع الطائفة.