يواجه اللاجئون والنازحون من مختلف الجنسيات والأديان انتهاكات عدة في الدول المضيفة بسبب الصيت السيء الذي يلاحقهم أينما وطأت أقدامهم. فقد نشأت في الآونة الأخيرة ظاهرة تتمثل بإرتفاع تأييد المتطرفين على حساب المعتدلين بسبب السياسة المتسامحة والمتراخية التي تمارس وتسمح بحصول انتهاكات عدة يرتكبها اللاجئون.
ولكن بعض الحالات الاستثنائية التي يقوم بها بعض اللاجئين لا يجب ان تكون مبررا لصعود المتطرفين، خصوصا أن التطرف يولّد التطرف، ولا يمكن أبدا وضع كل اللاجئين في خندق واحد واتهامهم جميعا بالمشاكل التي تحصل بسبب بعض الحالات الفردية، ما يؤدي الى خوف من اللاجئين ويدفع البعض الى انتهاك حقوقهم والتعرض لهم ووضعهم جميعا تحت شعار الإرهابيين او المتحرشين او الإسلاميين.
في لبنان مثلا، هناك خوف دائم من امكانية توطين اللاجئين خصوصا أننا عانينا سابقا من تداعيات الملف الفلسطيني، وعلى الرغم من التطمينات الدولية والمحلية والاقليمية ان هذا الامر لن يحصل، فالبعض يجد سببا آخر لرفض اللاجئين تحت حجة السرقات والنشل والاعتداءات وجرائم القتل والاعمال الارهابية والتحرشات والمضاربة الاقتصادية، ويحذرون من عواقب إقامتهم الطويلة.
كل تلك الأسباب، يجب ألا تسيطر علينا وتدفعنا الى التصرف بعنصرية بحق اي كائن كان، فلكل كائن كرامته ويجب التعامل معه بطريقة انسانية مهما كانت الظروف، ويجب التمييز بين الصالح والطالح، فبالنهاية كل المجتمعات والأديان والاعراق والاجناس تملك الخيّرين والشريرين.
وبسبب تراكم كل تلك المشاكل وانتشارها في مختلف أنحاء العالم، قررت الأمم المتحدة التحرك بحيث أطلقت مبادرة “معًا – كفالة الاحترام والسلام والكرامة للجميع” من أجل تسليط الضوء على الإسهامات الإيجابية للاجئين والمهاجرين من كافة الجنسيات.
ولأن لبنان له حصة كبيرة من اللاجئين والنازحين فإن تلك المبادرة تلعب دورا أساسيا في بلاد الأرز، خصوصا بعد نزوح أكثر من مليوني سوري الى الأراضي اللبنانية بسبب الحرب في سوريا.
تلك الحملة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 19 أيلول وبدأت تطبق اليوم في مختلف أنحاء العالم وخصوصا الدول التي تشهد نزوحا ولجوءا.
فما أهمية تلك الحملة؟ وكيف يمكن ان تساهم بتحسين النظرة الى اللاجئين خصوصا في لبنان؟
الحملة تسلط الضوء على الإسهامات
تطالب الحملة تغيير أسلوب حديثنا عن اللاجئين والمهاجرين بحيث يجب ان نتحدث معهم أكثر لأن كلماتنا وحوارنا مهمان. لذلك، تدشن الأمم المتحدة اليوم حملة “معًا”، إذ انه بالعمل معًا يمكننا الاستجابة لظاهرة تزايد الخوف من الأجانب وتحويل الخوف إلى أمل.
بان كي مون دعا زعماء العالم إلى المشاركة في هذه الحملة والالتزام بها عبر المحافظة على حقوق وكرامة كل من أجبرتهم الظروف على الفرار من منازلهم بحثا عن حياة أفضل.
الحملة تسلط الضوء على الإسهامات الاقتصادية و الثقافية والاجتماعية للاجئين والمهاجرين في بلدان المنشأ والعبور والمقصد، كما أنها تسعى إلى التصدي للمعلومات المغلوطة والتصورات الخاطئة بشأن اللاجئين والمهاجرين وتشجع على التواصل بهم في بلدان المقصد.
سعي لرفض الاكزينوفوبيا
نائب الممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نضال الجردي، يؤكد في حديث لموقع IMlebanon أن “الهدف من حملة “معًا” ليس فقط موضوع اللاجئين بل هدفها اعادة تذكير العالم والمجتمع الدولي ان النزعة العنصرية والاكزينوفوبيا (كراهية الأجانب) التي تحصل عبر ظهور أفكار يمينية متطرفة تخالف حقوق الانسان يجب ان نستيقظ منها لانها تدفعنا نحو تدمير كل مكتسبات حركة حقوق الانسان طوال العقود الماضية”.
“في اوروبا وأميركا وحتى الدول العربية حصل تفاعل مع ظروف موجات انتقال الاجانب او اللاجئين او العمال الاجانب بطريقة عنصرية ورافضة وكأن هؤلاء الاشخاص انتقلوا بإرادة حرّة، ولكن انتقلوا مكرهين ونتيجة ظروف قمع ووجود خطر على حياتهم، لذلك فهم اجبروا على ترك بلادهم والهجرة”، يشدد الجردي.
ويشير الى أن “هدف الحملة هو التذكير ان اللاجئين هم بشر ولهم حقوق، وقانون حقوق الانسان الدولي فرض التزامات على الدول بأن تعامل اللاجئين بانسانية ومساواة وبالحد الادنى لاحترام كرامتهم الانسانية”.
التخويف من التوطين لا أرضية له
أما بالنسبة للحديث عن توطين اللاجئين، فيلفت الجردي الى أن “التخويف من التوطين لا أرضية له، فلا الأمم المتحدة ولا القانون الدولي ولا الاتفاقيات التي وقّعها لبنان تلزمه بالتوطين، بل بالعكس، فعندما ينتهي النزاع في سوريا يجب ان يعودوا اللاجئين الى أرضهم عودة طوعية كريمة، ولكن يجب الا نفرض العودة إذا الوضع لا يزال في خطر”.
ويتابع: “سوريا وضعها مختلف عن اوضاع دول أخرى، فالبعض يخاف من تكرار التجربة الفلسطينية وهذا الامر غير صحيح، والمقارنة غير دقيقة ولا تجوز، لان الوضعين مختلفين، فسوريا دولة موجودة وهذا النزاع سينتهي عاجلا أم آجلا، ومثلما لجأ العراقيون الى لبنان خلال الحرب العراقية وعادوا الى بلادهم بعد انتهاء الحرب هكذا سيحصل مع السوريين، فلا مبرر لكي يبقوا هنا، والدولة اللبنانية عندما ينتهي النزاع لها الحق الكامل بطلب عودة اللاجئين.
هذه الفزاعة للتخويف لا مبرر لها لا سياسيا ولا قانونيا”.
بناء للشركات بين اللاجئين والبلد المضيف
“الجيد في الحملة هي أنها تستهدف بناء الشركات بين اللاجئين والبلد المضيف، والحملة ليس هدفها التركيز على العمال الاجانب واللاجئين بل هدفها الإضاءة على فئات هي بطبيعة وضعها مهمشة او مستضعفة، لانه عندما يكون الفرد خارج بلاده لا أحد يحميه”، يؤكد الجردي.
ويضيف: “النظرة للاجئ تكون مختلفة في الدول الغريبة، واذا القانون لا يساند اللاجئين فسيحصل نزاعات عنصرية ستترك هؤلاء من دون حماية وهذا المطلب ليس لفئة دون أخرى، بل هذا المطلب هو نفسه ننادي فيه تجاه كافة الجنسيات في كل دول العالم اكان في اوروبا او اميركا او الدول العربية والاقليمية”.
التعميم النمطي لا يجوز ونراهن على دور الإعلام
الجردي يشدد على أن “التعميم النمطي للسوريين في لبنان لا يجوز، فاعتبار ان كل سوري هو ارهابي او له علاقة بالارهاب امر غير سليم وظالم، خصوصا أن عدد السوريين كبير جدا في لبنان وعدد المنخرطين في الارهاب قليل جدا، لا بل معظم الحالات الارهابية لم تأت من اللاجئين في لبنان بل من حالات تهريب جاءت من خارج الحدود ودخلوا خلسة الى لبنان من اجل تنفيذ عمليات ارهابية”.
“الوضع صعب ولكن نراهن على دور الاعلام ان يأخذ بموضوعية الحالات، ولا يجوز التعميم، فالتحرشات والسرقات تحصل في كل المجتمعات ومن مختلف الجنسيات فالتعميم ظالم”، يشرح الجردي.
لتحويل اللجوء من عبء الى فرصة
يطالب الجردي بتحويل الحالة السورية من عبء الى فرصة، فهناك مهن معينة اللبناني لا يمكنه القيام بها، وهناك ارضيات معينة يمكن ان يساهم فيها اللاجئ في الاقتصاد لنصل الى مرحلة التكامل”.
ويضيف: “السوري يأخذ العمل من درب اللبناني لان ارباب العمل في بعض الاحيان هم الذين يظلمون العامل اللبناني ويظلمون انفسهم عبر توظيف اللاجئ السوري، فيتم طرد الموظف اللبناني من اجل توظيف أجير فقير ومحتاج لذلك سيرضى بتقاضي راتب أقل من الحد الأدنى للاجور، ولكن حتى السوري في قانون حقوق الانسان اذا نسعى الى توظيفه علينا ان نعطيه الحد الادنى للاجور وإلا سيعد إستغلال، فالسوري يرضى بتقاضي راتب زهيد لانه في وضع ضعيف ويفضل ألا يكون عاطلا عن العمل”.
يجب الاضاءة على اسهامات وانجازات اللاجئين لان هناك حالات موجودة وفعلية وحقيقية، وهذا الامر سيعطي نظرة ايجابية وسيغير الصورة بأكملها من أجل تحويل طاقة اللاجئ الى طاقة ايجابية.