أصر النائب اللبناني عقاب صقر على دعمه المطلق للثورة السورية بوجه الرئيس بشار الأسد، وعلى معارضته الصلبة للمشروع الإيراني في المنطقة، لا سيما ما يتعلق بالدور السلبي لحزب الله في لبنان، مؤكدًا في تصريح لموقع “ايلاف” استحالة التعايش بين الدولة القوية والدويلة الرديفة التي يُجسدها الحزب في الداخل والخارج، مشيرًا إلى بداية الاصطدام الحتمي بين رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وبين حزب الله، وذلك على خلفية العديد من الملفات المطروحة.
وأكد أن الدور السعودي في لبنان والمنطقة ارتكز على ضرورة دعم الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية، وهو بخلاف الدور الايراني الذي سعى، ولا يزال، إلى التمدد السياسي والاجتماعي عبر التخريب ودعم المليشيات المسلحة وتعزيز الخلافات ونشر الأفكار الهدامة
اليكم نص الحوار:
مع بدايات الثورة السورية، شُنت حملة ضدك على خلفية اتهامك بتسليح المعارضة، أين انت الآن من دعم هذه المعارضة؟ وهل ذاب دورك في خضّم هذه اللعبة الدولية الكبرى في سوريا؟
الحديث عن التسليح كله مفبرك, وقد ثبت انهم استعملوا ادلة مزورة, لكن القضاء اللبناني العاجز لا يجرؤ على إصدار القرار الواضح حول حصول عملية تزوير من قبل القناة التابعة للتيار الوطني الحر وجريدة الاخبار لأشرطة تم التأكد في المختبرات انها مزورة، ومن السذاجة الاعتقاد أن الدول الكبرى التي كانت تلعب في سوريا لم تجد احدًا غيري كي تقوم بعملية التسليح، فكل ذلك كلام سخيف ومردود. كان لي دور في الدعم الاعلامي والسياسي وتأمين المساعدات الانسانية للثورة السورية، وهذا أمر افتخر به ومستمر فيه مع الثوار السوريين بمواجهة خطرين: خطر داعش والنصرة واخواتهما، وخطر بشار الاسد، اللذين هما وجهان لعملة واحدة في الاجرام والابادة الكاملة للشعب السوري، فهما يختلفان في الطريقة ويتفقان في الهدف، الا وهو تدجين سوريا وذبح شعبها لمصلحة مشروع تطرفي متوتر يتغطى بالاسلام، ومشروع تطرفي آخر يتغطى باسم البعث والقومية، واعتقد انه من واجبنا ان نواجه هذين المشروعين لانهما يشكلان خطرًا على سوريا والمنطقة، فالذي يجري اليوم في سوريا يتحمل مسؤوليته الطرفان، وعلى الاخص بشار الاسد جزار هذه المنطقة، الذي يُنفذ حاليًا مجزرة موصوفة في حلب يخجل منها هتلر وستالين وشارون, فإسرائيل تكاد تكون اليوم واحة من حقوق الانسان امام ما يفعله بشار الاسد, واحداث حلب يجب ان تشكل ناقوس خطر، لانه ما من احد اصبح لديه أي حرج في ان يقول وبالصوت العالي: نعم نحن مع الشعب السوري والثوار المدنيين السوريين, نحن مع الجيش الحر, لسنا مع داعش والنصرة، ولكن بالتأكيد لا يمكن ان نكون مع جزار سوريا والقرن الواحد والعشرين بشار الاسد.
كيف ترى أفق هذا الصراع في سوريا، وهل تقرون بهزيمة خياراتكم؟
بالنسبة للخيارات, لا نستطيع القول اننا انهزمنا أو انتصرنا, اعتقد ان سوريا هي التي انهزمت, الدولة السورية والشعب السوري انهزما, والسبب في الهزيمة أن ثمة نظامًا مجرمًا كان مستعدًا ان يُضحي بشعبه من اجل الكرسي تحت شعار الاسد أو نحرق البلد، واليوم اذا سألتني اقول إن النظام مهزوم، فهو منذ اللحظة الاولى التي اطلق فيها النار على شعبه انهزم.
لكنه الآن يسيطر على ثلاثة ارباع الاراضي السورية، وحلب قد تسقط بين يوم وآخر، كيف تعتبره مهزومًا؟
النظام الذي يستطيع ان يسيطر على المدن الرئيسية بالدبابات هو نظام ساقط، والنظام الذي يحتاج الى الطائرات الروسية والى مرتزقة ايرانيين ولبنانيين وعراقيين كي يسيطر على المدن الاساسية هو نظام مأجور وعميل.
يُقال بإن الاتفاق الاميركي الروسي والاميركي الايراني حجز مكانًا للاسد وحاول بشكل أو بآخر ان يحافظ عليه، صحيح؟
اعتقد ان الخلاف بين اميركا وروسيا كان على من الذي يخلع بشار الاسد ويستلم المفتاح من بعده وليس من يبقي بشار الاسد, والكلام الذي يقول خلاف ذلك هو كلام فارغ, لان الايرانيين كانوا يقدمون التنازلات للاتفاق النووي, فليس من المعقول ان يفرضوا الشروط, ومن ناحية ثانية المسألة ليست بيد باراك اوباما, لأن الذي يقتل مئات الآلاف من شعبه ويشرد الملايين لا يمكن ان يبقى, حتى لو اتت اميركا وروسيا وكل قوى الارض, لا يمكن لها ان تبقيه الا تحت حماية الطائرة والدبابة, فمثله مثل انطوان لحد او سعد حداد او اي حاكم في اية دولة افريقية أتى الاستعمار زرعه وحماه، فهذا الرجل عندما تنسحب الطائرة الروسية سيهرب أو سيتم القبض عليه, واليوم بشار الاسد ليس هو الحاكم في سوريا, فقائد أي فصيل لحزب الله او أي فريق مرتزقة عراقي هو أقوى منه، والضابط السوري يقف على حواجز حزب الله فيتم تفتيشه ويذل لانه يعتبر عنصرًا غير موثوق فيه, وهذه معلومات كنا نسمعها بآذاننا, لذلك اعتقد اننا اليوم امام سيطرة لإيران وحزب الله بمواكبة روسية ترافقها سرايا بشار الاسد، وهذا هو حجمه، فليست هناك امكانية موضوعية لبقائه الا ببقاء سوريا في حرب اهلية لمئتي سنة، والبديل الوحيد هو بديل وطني سوري جامع، فمن لم تتلوّث يداه في الدماء مثل فاروق الشرع وغيره وهم كثر، مثل الذين انشقوا عن النظام وفصائل المعارضة بمن فيهم المسلمون المعتدلون وليس الاسلاميين المتطرفين. كما اعتقد ان النظام السوري الآن يخدم أي طرف يريد ان يتحكم بسوريا، فإسرائيل تستفيد والروسي والايراني كلهم يستفيدون من هذا الرجل وسراياه التي اصبحت بندقية للايجار، فهم سيستأجرونه بالمداورة واحيانًا بالجملة وبالتكافل والتضامن, وبطبيعة الحال, هذا الامر لن يستقيم، ففي النهاية سوريا لا تستطيع ان تبقى على هذا المنوال لانها ستتحول الى مصدّر للارهاب في المنطقة والعالم، فالذي يجري اليوم في سوريا سيفجر مشاعر الغضب في اوروبا واميركا والشرق الاوسط وشرق آسيا وفي البرازيل واوستراليا, هذه المشاهد من الاجرام ستدفع الشباب السنيّ تحديدًا الى احضان داعش, الناس في حلب اليوم تناشد اسرائيل لكي تأتي وتحميها من ارهاب بشار ومن وراءه، ثم من هي داعش؟ داعش هي تعبير عن اليأس، فعربدة بشار في سوريا والمالكي في العراق دفعت الناس دفعًا باتجاهها، كي يقال للمجتمع الدولي اما داعش او نحن المعتدلون، ولكني ارى ان بشار الاسد والمالكي كانا الوجه الآخر لداعش، احدهما مجرم بعباءة وذقن والآخر بكرافات، هتلر وستالين مثلًا كانا مجرمين بكرافات, والاسد مثلهما، والروسي الذي لا يزال حتى الآن غير مدرك لدور الاعتدال، سيتنبه بعد فترة من الزمن انها ستنفجر عنده في القوقاز والشيشان, وايران ايضا ستتنبه أن عرب الاهواز لن يبقوا ساكتين، فعملية صب الزيت على النار الملتهبة في سوريا سوف تتأجج وتتحول الى نار ارهابية تعم المنطقة.
هل تعتقد ان الافكار التقسيمية التي يتردد انه يتم تحضيرها في الدوائر المغلقة ستكون هي الحل لهذا الصراع في المنطقة؟
اعتقد ان التقسيم مطروح في بعض الدوائر الدولية وربما الاقليمية, فبعض الدول تقول انه ليس هناك من حلول، لكنني ارى انه علينا أن نواجه مشاريع التقسيم ولا نستسلم لها ولا نفترض انها قضاء وقدر لانه في الكثير من الاحيان تخطط أمور في المجتمع الدولي, ولكن ليس بالضرورة ان تنفذ، فالتقسيم في الاساس ليس حلًا سهلًا, والدخول فيه في زمن الاتحادات الكبرى سيأخذنا اولا الى حالات من الافلاس الاقتصادي وثانيًا الى حالات من العداء المستحكم وثالثًا الى حدود متوترة، ولكن يمكن لفكرة اللامركزية الموسعة ان تكفل وحدة الدول مع مراعاة لخصوصيات الجماعات، اما التقسيم فسيدمر دولنا من دون ان تكون لدينا أية امكانية للاستمرار والوجود الاقتصادي والحيثية السياسية المستقلة.
وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو زار بيروت خلال اليومين الماضيين, كيف تنظر الى الدور التركي حاليًا في المنطقة، لا سيما في ما يخص الصراع السوري؟
لنكن دقيقين وموضوعيين، الدور التركي في سوريا هو اكثر من ايجابي, فتركيا ليست لديها اية مطامع ولم تكن لديها الرغبة بالتدخل في سوريا, فهذا البلد بالنسبة للاتراك هو سوق يتبادلون معها وفي الغالب يصدرون اليها, فأين هي مصلحتهم بالتقسيم؟ عندما تتقسم سوريا، سيقوم الاكراد والعلويون في تركيا ويطالبون بالتقسيم, وهذه مشكلة كبيرة لتركيا, هل يمكن ان يكون التركي ضد نفسه؟ وكذلك ارى انه حتى الايراني استراتيجيًا لا يفترض ان تكون لديه مصلحة بالتقسيم, لانه اذا اعتقد انه يعمل الآن على سوريا المفيدة أو الهلال الشيعي, يجب ان يتذكر ان العرب والاكراد سيطالبونه غداً بالتقسيم في ايران, فالايراني ينطلق في هذه المرحلة من خلال مشروع ارعن ساذج يقوده الحرس الثوري، عنوانه العمل على اقامة مستعمرات وتقسيم الدول، وهذا المشروع بالتأكيد لا يوافق عليه الرئيس روحاني، ولكن ليست لديه الامكانية لمواجهته، وهو سيرتد سلبًا على ايران وكل دول المنطقة وعلاقات ايران بهذه الدول. لذلك انا ارى ان تركيا بتدخلها في حلب تمنع عمليات الابادة الكاملة وتوحش الجيش السوري بالقضاء على السوريين، والذي سيؤدي الى تقسيم ينعكس سلبًا عليها، فهي دخلت لمنع التقسيم وليس للمساهمة به، والدور التركي ننظر اليه انه بناءٌ جدًا, وهو يجب ان يتوسع ويحظى بالتفاف عربي ومساعدة عربية مباشرة للجم هذا الاجرام المتمادي لبشار الاسد مدعومًا بآلة الحرب الايرانية والطائرات الروسية, اذ انه عاجلًا ام آجلًا سوف تدرك روسيا خطأها الاستراتيجي في هذه العملية الاجرامية التي تساهم بها في سوريا تحت شعار محاربة الارهاب, فاكبر ارهاب يجري اليوم هو ارهاب الطائرات الروسية والمرتزقة الايرانيين وحزب الله, فيما الارهاب الاصغر هو ارهاب داعش والنصرة, لكن هذا يغذي ذاك.
كيف يمكن لجم هذا التدخل الروسي وهذا المد الايراني في المنطقة؟
يجب ان يكون هناك موقف اميركي جديد يخالف الموقف والدور السيئ الذي لعبته الادارة الاميركية بقيادة اوباما، والذي هو شريك في هذا الاجرام بسبب صمته وتلكؤه وعجزه, فسياسة اوباما كانت سياسة فارغة لا تستند الى أي استراتيجية وتمس بالمصالح الاميركية في العمق لانها تغذي الارهاب الذي سيعود ويضرب اميركا. صمت اوباما كان اسوأ من التدخل الروسي، فهو الذي فتح المجال لهذا التدخل وترك لروسيا ان تذهب بعيدًا.
اذًا، انت تؤيد الحكم الاميركي الجديد مع ترامب؟
لا استطيع ان اتوقع ما سيكون عليه أداء ترامب لانني اعتبره رصاصة طائشة، لكنني اعتقد في نفس الوقت أن لا شيء اسوأ من اوباما, لا شيء اسوأ من الموقف الرمادي, فاوباما اعتمد سياسة تمويت الملف، تمويت القضية, وهذا الامر ادى الى تمدد رقعة الحرب وآثارها على اوروبا واميركا وامتدادها على مستوى الزمن, واي موقف سيتخذه ترامب في هذا الاتجاه او ذاك سيكون حاسمًا, والحسم افضل من الاستنزاف.
لكن ترامب على علاقة جيدة بالروس، وقد يكون الحسم لصالح محور الاسد ايران وحزب الله، صحيح؟
لا يمكن لترامب ان يحسم لصالح جزار، واعتقد ان علاقته الجيدة بالروس ستوظف في اطار اتفاق حول كيفية ازالة الاسد ومن يكون البديل عنه، هذه هي العلاقة الجيدة, فأي رئيس غربي سيقبل بالاسد والتمديد له سيوجه اكبر ضربة لشعبيته ولقاعدته ولقيّمه ولبنية حكمه، ترامب يترأس اكبر ديمقراطية في العالم, وأداؤه لن يكون مثل كلامه الانتخابي، وستملي عليه هذه الديمقراطية شروطها وظروفها، وبالتالي لن يستطيع ان يكون ديكتاتورًا على رأس ديمقراطية.
كيف تقيّم الدور الخليجي والسعودي تحديدًا في سوريا، لا سيما في ظل انشغال المملكة بحرب اليمن؟
صحيح ان السعودية انشغلت كثيرًا في حرب اليمن، ولكن اعتقد انها الآن في صدد استعادة دورها, فالحرب الاهم والاخطر بالنسبة لها هي الحرب السورية. حرب اليمن هي خطر حدودي حيال المملكة، بينما حرب سوريا هي خطر وجودي حيال المنطقة برمتها، فترك الساحة السورية لاي سبب من الاسباب سيكون خطره كبيرًا, وترك لبنان ايضًا خطره اكبر, لان مشكلة المشروع الايراني اليوم في حال اكمل طريقه, ليس فقط انه سيتمدد في سوريا ولبنان والعراق, بل في انه سيخلق في مواجهته حالة من الداعشية التي ستفرخ في العالم، ونحن نتحدث عن مليار مسلم سني سوف ندفع جزءًا كبيرًا منهم الى الخيارات المتطرفة بسبب سياسات خرقاء، لذا لا اعتقد أن احدًا سيبقى صامتًا يصم اذنيه ويغمض عينيه.
على مستوى لبنان، ما الذي دفع بالمملكة العربية السعودية لأن تقبل بميشال عون رئيسًا ومن المعروف انه يمثل خيار المحور الايراني؟
السعودية ليست ايران, وخطأ هذا السيناريو الاستراتيجي ان جماعة ايران يقيسون السعودية على قياس ايران، انا اجزم ان السعودية ليس لديها مشروع تمدد في المنطقة. نحن نرى ان ايران تعمل على مد التشيع، في وقت لا نرى ان السعودية تسعى الى نشر أي أفكار مشابهة, ففي اليمن حولت ايران الزيدية الى اثني عشرية، وفي لبنان حولت الشيعة الى “حزب اللهيين” وفي العراق ايضا تأخذ النموذج الايراني، بينما السعودية لا تملك اي مشروع من هذا النوع, ففي اي مكان نرى وجودًا عسكريًا تابعًا للسعودية مثلا؟ واين قررت أن تنشىء فريقًا عسكريًا كحزب الله في لبنان وسوريا وكالفصائل العراقية؟ السعودية تدعم حلفاءها في خياراتهم، نحن في لبنان وكقوى الرابع عشر من آذار, السعودية هي التي لحقت بنا ولسنا نحن الذين لحقناها، وهي في محطات معينة كانت ترفض بعض الامور ولكن عندما صمم عليها الرئيس سعد الحريري سارت بها، فالمسؤول السعودي يسأل ويأخذ رأينا, بينما المسؤول الايراني يملي علينا، وعلينا التذكر ان السعودية هي اول من واجه القاعدة، هي اول من وضع النصرة وداعش على لوائح الارهاب، وحتى كذلك الاخوان المسلمين.
في موضوع ميشال عون، السعودية كانت متوجسة إلى حد ما من هذا الخيار, ولكن عندما قالت الاطراف اللبنانية، من سمير جعجع الى سعد الحريري، انها تؤيده، كان ردها فليكن، في النهاية هذا بلدكم ولتتحملوا مسؤولياتكم. بهذه الروحية دخلت السعودية, ونحن كان اعتقادنا ان أي رئيس سيأتي الى السلطة سيصطدم بمشروع دويلة حزب الله, اذ لا يمكن ان نبني دولة دون الاصطدام بدويلة حزب الله, لذلك كان خيارنا ان يأتي الرئيس عون ونرى, فالرئيس القوي لا بد يصطدم بهذه الدويلة، وقد بدأ فعلًا الاصطدام بها منذ اليوم الاول.
كيف سيستطيع عون ان يتفلت من قيود تفاهماته مع حزب الله ويمارس دوره كرئيس قوي؟
لا يستطيع عون الا ان يكون رئيسًا قويًا, واذا لم يستطع, يكون قد انتهى كل مشروعه وذهبت كل اسطورته وادخل تياره في اكبر نفق مظلم ودخل التاريخ من اسوأ ابوابه. اليوم بدأ الاصطدام بين الرئيس القوي والدويلة القوية, وهذا الاصطدام برأيي سيصب في مشروع الرابع عشر من آذار التي تعلن مرارًا وتكرارًا انه لا يمكننا ان نقيم دولة في داخلها دويلة تتحكم بها وبقرارها, وما سيفعله ميشال عون اليوم يطرح سؤالاً كبيرًا، وهو: هل حزب الله بما هو عليه قابل للعيش داخل الدولة اللبنانية؟ نحن كان جوابنا كلا بالمطلق, واليوم نختبر ذلك بالتجربة ونظهر للعالم والمجتمع الدولي ان هذه الدويلة لا يمكن الا ان تفجر الدولة، وحتى لو جلبنا لها الرئيس الاقرب اليها. انا اعتقد ان حزب الله لو يملك واحداً بالالف من الحس والذكاء السياسي والاجتماعي يستطيع ان يتأقلم مع ميشال عون، لكن حزب الله هو حزب عسكري له جناح سياسي، وليس حزباً سياسيًا له جناح عسكري, فتفكيره دائمًا هو تفكير عسكري ويأتي بعده السياسي، وانا اعتبر ان كتلة الوفاء للمقاومة هي جناح سياسي صغير لحزب الله وليس العكس, بينما الاحزاب تكون عادة سياسية ويتبعها احيانا جناح عسكري.
بناء على ما تقدّم، لبنان سيكون في مهب الريح مستقبلًا، صحيح؟
نعم, طالما حزب الله يتصرف على انه جناح من اجنحة الحرس الثوري الايراني، لا يمكن ان تستقر الدولة اللبنانية، بينما اذا غيّر هذا الحزب من ذهنيته وتعاطى بطريقة سياسية مع الواقع اللبناني مع احتفاظه بسلاح المقاومة، ولكن على الاقل تخليصنا من سلاح الميليشيات التي اسمها سرايا المقاومة أو المقاولة, وان يقول إن قرار الحرب والسلم هو بيد الدولة اللبنانية وبالتفاهم معها, وان يرفع الحمايات عن البؤر الامنية التي يحميها والتي تصدر ارهابًا وفسادًا وحبوب كبتاغون ومخدرات وتخرب مجتمع حزب الله بذاته، فمجتمع حزب الله اليوم هو منخور بالفساد والتجاوزات والخوات والاتوات وبالفضائح الكبرى التي لا تليق بهذا المجتمع, اذن, اذا ما قرر حزب الله أن ينظف كل هذه الادران التي القاها في مجتمعنا بسبب فكرة الدويلة، يمكن له ان يتعايش كحزب قوي يمتلك السلاح، ولكن يجب ان يسمح للدولة ان تتنفس، اما الآن فهو يفرض نفسه كسرطان يؤدي الى موت هذه الدولة ومجتمعه في آن .. لذلك فرفع الصوت حاليًا بوجه هذا الحزب هو واجب وضرورة ملحة، على قاعدة ما قاله الرئيس نبيه بري: “انصر اخاك ظالما كان ام مظلومًا” ونصرته تكون بالامساك بيده ومنعه عن ظلمه وليس بدعمه.
في ما يتعلق بعملية تأليف الحكومة، هناك عراقيل وعقد كثيرة تعترضها، هل تتوقع ان تتم حلحلتها قريبًا؟
الحكومة ستمشي, انا اؤكد ذلك, ويمكن ان ترى النور قبل الميلاد, واعتقد أن الرئيس بري سيجد حلًا ونحن كتيار مستقبل سنجد الحل، اما حزب الله فلا يبالي، هو لا يضع فيتو على الحل ولا يضع بالمقابل جهدًا للحل, فحزب الله بكل بساطة يتمنى للشعب اللبناني الشقيق دوام التوفيق بهذه الحكومة، في استعراض القصير قالها ايضًا: يا شعب لبنان الشقيق لكم عرضكم في عيد الاستقلال ولي عرضي انا، وكذلك عرض “الكركوز” في بلدة الجاهلية (في اشارة الى العرض الذي قدمه الوزير السابق وئام وهاب), بينما الرئيس بري ليس من جماعة التعطيل، فدائما يمكن ايجاد قواسم مشتركة وقنوات اتصال معه, بعكس حزب الله, الرئيس بري هو الوجه الوطني لشيعة لبنان، اما حزب الله فهو الوجه الاسلامي الايراني لشيعة لبنان، وهذان الوجهان يختلفان تمامًا، في العمق وفي بنية التفكير والخطاب، الرئيس بري يمكن ان نختلف معه في قضايا سياسية كثيرة، ولكن لا نختلف معه ان لبنان هو وطن نهائي، هو لم يذهب للمحاربة في سوريا مثلا, ولا يصعد المنابر ويقول: الموت لآل سعود. نختلف معه في العلاقة مع الغرب، ولكن لم نسمعه يومًا يقول الموت لأميركا, ويغيّر بعد تغيير الايرانيين.
هل ستستقر نهائيًا في لبنان، وهل حياتك لم تعد مهددة؟
التهديد لا يزال قائمًا, ولكن عندما وجدت أن ثمة ضرورة لان اعود الى بيروت، عدت. في السابق كان البلد يعيش في الفراغ، اما اليوم، وبناء لطلب الرئيس سعد الحريري، عدت ومن دون مصالحات أو غطاء أو أية ضمانات، ولكن لن أساوم واحداً بالالف على مواقفي، ما قلته قلته، والآن اعود واقوله وبصوت أعلى.