الجامعة اللبنانية تعاني… بات هذا مسلّما به فالجامعة الوطنية تعاني من الإهمال والتسلّط السياسي والمحاصصة والقمع وغيرها من الأمور التي لا تعد ولا تحصى. فالإهمال في البنى التحتية للجامعة وصل لدرجة انه عند اول “شتوة” فاضت بعض الصفوف بالمياه لدرجة أنها خرجت من مكابس الكهرباء، فضلا عن غياب مقومات ضرورية في بعض الكليات خصوصاً في الفرع الثاني بالإضافة الى فقدان التجهيزات الضرورية للكليات العلمية.
والإهمال في التجهيزات ليس هو الوحيد الذي تعاني منه الجامعة اللبنانية، بل هناك تمييز بالتعاطي بين الفروع خصوصا تلك التي تشهد سيطرة حزبية صريحة وواضحة عليها، ما دفع أخيرا بأحد طلاب كلية الحقوق الفرع الثاني الى رفع الصوت خلال ندوة جامعية فحصد تفاعلا كثيفا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كما ان التعاطي يتم بطريقة صيف وشتاء تحت سقف واحد، فالعمل السياسي مباح للفروع التي يسيطر عليها “حزب الله” و”حركة أمل” لدرجة أن من يتوجه الى احدى كليات الفرع الأول يشعر وكأنه يدخل الى مركز لقيادة الحزب، في المقابل فإن في بعض الكليات لا يحق لها أن ترفع علما حزبيا واحدا او إقامة اي نشاط، ويطلب من الأحزاب القيام بالأنشطة خارج حرم الجامعة.
وبعد كل تلك الأمور التي عرضناها، لا يمكننا ان ننسى الواقعة الاخيرة بمنع أغاني السيّدة فيروز في كلية الهندسة في الفرع الأول من قبل قوى الأمر الواقع أي التعبئة التربوية في “حزب الله”.
فما هو مصير “اللبنانية” وما الهدف من كل تلك الممارسات؟ ومتى ستتحرك إدارة الجامعة لمنع ووقف الانتهاكات والسيطرة السياسية في الفرع الأول؟
وضع مزرٍ… ولا تطوير!
يؤكد الدكتور عصام خليفة في حديث لـIMLebanon وهو المناضل منذ زمن في ملف الجامعة اللبنانية أن “الدولة لا تعطي الجامعة الاهتمام اللازم ففي 5-5-2008 اخذ مجلس الوزراء قرارا ببناء مجمعات في المناطق للجامعة اللبنانية ولكن هذا الامر لم يحصل بعد حتى اليوم. فلماذا لا يتم تنفيذ قرار مجلس الوزراء علما انه يتم دفع المليارات على الايجارات؟”.
ويشير الى انه بالنسبة للبنى التحتية، فهناك كليات وضعها مزرٍ جدا، فمثلا في طرابلس هناك ابنية من ايام الانتداب ولا تتضمن الحد الادنى من المواصفات، ولذلك على الدولة وقف الهدر الحاصل من اجل القيام بالتصليحات اللازمة لتلك الابنية او بناء المجمعات الجديدة”.
ويضيف أن “الدولة كانت تخصص جزءا من موازنتها لتمويل الجامعة اللبنانية ولكن تلك الاموال لم تنفق يوما على تطوير الجامعة، علما ان التعليم العالي هو اساس التنمية ولا يمكن ان يتقدم المجتمع من دون التعليم العالي، خصوصا ان هناك فئة كبيرة من اللبنانيين غير قادرة على دفع اقساط الجامعات الخاصة وهي مجبرة على التوجه الى الجامعة اللبنانية”.
“المستقبل”: قوى الامر الواقع تذل الطلاب!
من جهته، يؤكد منسق قطاع الشباب في “تيار المستقبل” وسام شبلي لـIMLebanon، أن “المشكلة التي تعاني منها الجامعة اللبنانية لها علاقة بادارة الجامعة بالاساس، فهناك فساد وسوء ادارة متراكم له علاقة بالمحسوبيات التي تتحكم بإدارة الجامعة، وغياب مجلس الجامعة لفترة طويلة الذي يمكن ان يؤمن التوازن في الادارة ادى الى فراغ وتحكم احادي من قبل رئيس الجامعة على مدى سنوات طويلة، ولكن اليوم لا يمكننا تحميل مسؤولية ما يحصل لرئيس الجامعة الجديد، ولكن هناك تدخلات تكون على حساب الجامعة وتطورها وتقدمها وعلى حساب الطلاب وتجهيزاتها وصيانتها لكي تبقى راضخة لبعض المسيطرين”.
ويلفت الى أن “الواقع الذي يعيشه الطلاب في الفرع الاول هو واقع مزر من الناحية المعنوية، فهناك اذلال وقوى امر واقع تتحكم بالجامعة ومفاصلها وادارتها وبحركة الطلاب وحضورهم، وبشخصهم المعنوي، وآخرها منع الأغاني وهذا تفصيل بسيط جدا بالنسبة لكل ما كان يحصل وما زال يحصل يوميا امام الممارسات اليومية، فتحويل الجامعة الى مقر حزبي او ديني لممارسة شعائر دينية لا يجوز، خصوصا أنه ممنوع على الآخرين البوح برأيهم البسيط، ولكن مباح لقوى الامر الواقع ان تستبيح الحريات والكرامات والجامعة كلها ومقدراتها”.
ويعتبر ان “طلاب الطبقة الوسطى او ما دون الوسطى غير قادرين على الدخول الى الجامعات الخاصة التي تكون اقساطها مرتفعة جدا وغير قادرين على التوجه الى الجامعة اللبنانية وخاصة في بيروت بسبب الخوف والارهاب والاستفزازات التي تحصل بحقهم”!
ويضيف شبلي أن “تلك الانتهاكات تدفعهم للقول انهم لا يريدون التوجه الى الجامعة، وهذا الامر على المدى الطويل سيراكم جيلا من الشباب الذي هو اصلا العمود الفقري للمجتمع يرفض التعلم بسبب تلك الممارسات، فضرب الطبقة الوسطى على المستوى التعليمي والاقتصادي نتائجها كارثية وسنراها في المستقبل القريب والبعيد، والمشكلة ستكون كبيرة والعواقب وخيمة، والجامعة اللبنانية هي كانت الضمانة لتحقيق التوازن الاجتماعي والتربوي والتعليمي لهذه الفئة من الناس التي تؤمن الاستقرار الاجتماعي على المستوى الوطني”.
كليات الفرع الثاني تعاني من الإهمال
أما رئيس دائرة الجامعة اللبنانية في “القوات اللبنانية” شربل خوري، فيشدد في حديث لـIMlebanon على أننا “نحمل مسؤولية الاهمال في كليات الجامعة اللبنانية لادارة الجامعة المركزية لان هناك مجمع لكليات الفرع الاول في الحدت وآخر في الشمال في منطقة البحصاص جنوب طرابلس لكليات الفرع الثالث، أما كليات الفرع الثاني فلا تملك مجمعا يحوي كل الكليات بمصاف المجمعات الأخرى ولا يزال طالب الفرع الثاني يعاني من هذا الإهمال”.
ويضيف: “طرحنا مشروع بناء مجمع بيار الجميل الجامعي في منطقة الفنار ولكن في المنطق التطبيقي هذا المجمع لم يبصر النور بعد، ونحن نطالب رئاسة الجامعة والقيمين على الجامعة اللبنانية بضرورة انشاء وتجهيز مجمع بيار الجميل الجامعي للفرع الثاني، فلا يجوز في العام 2017 ان كليات الفرع الثاني لا تملك الحد الادنى من التجهيزات اكان من مراحيض او بنى تحتية او تدفئة وتبريد، فالمياه تطوف داخل الصفوف عند اول شتوة”.
ويسأل خوري: “ما السبب وراء إهمال كليات الفرع الثاني؟ هل هو ضرب للجامعة اللبنانية وكسر الفرع الثاني؟ فكل تلك المحاولات كانت تحصل منذ عهد الوصاية السورية من اجل ضرب الفرع الثاني ولم تنجح، لذلك ادارة الجامعة تتحمل اليوم مسؤولية ما يحصل من انتهاكات”.
فيروز.. وسيطرة الاحادية
وفي وقت حصد موضوع منع اغاني فيروز في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية في الحدت صجة كبيرة، يرى الدكتور خليفة: “حزب الله مسيطر على الجامعة والاساتذة والادارة وعلى الجو الثقافي والاكاديمي، فياليوم هناك تعطيل للحريات الاكاديمية وعدم احترام التعدد، وهذه الظواهر هي مرض اساسي وعدم احترام حرية الجامعة وقوانينها، والمطلوب عودة القانون الى الجامعة”.
وعن امكان تحرك الجامعة لمنع هذه الانتهاكات، يسأل خليفة: “من سيتحرك؟ فمن يعين العميد ورئيس الجامعة؟ فالقوى المسيطرة هي التي تعين رئيس الجامعة، فهل يمكن لرئيس الجامعة ان يتحرك بوجه من عينه؟ او يأخذ قرارا من دون الأخذ بعين الاعتبار رأي الاحزاب المسيطرة؟ كما ان عمداء الجامعة يتم تعيينهم حسب المحاصصة، فكل واحد يتبع فريقا معينا، ولكونه تابع للسياسيين فعليه ان يقوم بما يفرضه عليه الزعيم، وهذا الامر مناهض لقوانين الجامعة والشرعة العالمية للتعليم العالمي”.
كيف تستسلم الإدارة لرغبة مجموعة من الطلاب؟
من ناحيته، يقول خوري: “نستنكر هذا القمع المتمادي للحريات وعلى رأسها حرية الرأي والتعبير، وتصرف التعبئة التربوية في “حزب الله” غير منسجم مع القوانين التي يجاهر الحزب باعتمادها. فكيف ينادي “حزب الله” بالدستور الذي ينص على قدسية حرية الرأي والتعبير ويطالب بتطبيقه، وفي الوقت ذاته يد “حزب الله” في الجامعة اللبنانية تقمعه؟”.
ويسأل: “أين القانون الذي يفترض أن يعتمد؟ وكيف لإدارة ان تستسلم لرغبة مجموعة طلاب، وكيف لها أن تتخلى عن صفتها بتنظيم أمور الكلية، متذرعة بعدم قدرتها على منعهم؟ أم هل هناك اتّفاق مطموس وغير واضح المعالم بين الإدارة والتعبئة التربوية؟ أما المفاجأة الكبرى، فهي تكمن بعدم تحّرك ادارة الجامعة اللبنانية المركزية مطلقاً لأخذ الإجراءات الملائمة لوقف قمع الحريات”.
سياسة القضم البطيء شغالة
أما شبلي، فيشدد على أن “الأمر هو جزء من السيطرة الحاصلة، فهناك منظومة فكرية لـ”حزب الله” تحاول تطبيق افكارها في المجتمع اللبناني، فتلك الافكار تم فرضها في مجتمع “حزب الله” واليوم الحزب يحاول ان يخرج بها الى باقي المجتمعات، وهناك جزءا من اللبنانيين لا يستوعبون خطر المشروع، فيما “حزب الله” يقول بكل صراحة ان صلب مشروعه هو ولاية الفقيه وتحويل الدولة اللبنانية الى دولة اسلامية، لذلك سياسة القضم البطيء شغالة، وأهم علاماتها رفع شعارات دينية خلال المناسبات على صخرة الروشة، والسيطرة الحاصلة في المطار، فكل هذا اخضاع للرأي العام لسياسة بطيئة من اجل تطبيق مشروع ولاية الفقيه في لبنان، ومواجهة المشروع لا يتم في حساباتنا الضيقة، والمجتمع المسيحي الذي لم يقدر خطورة هذا الموضوع اليوم بخطر”.
إغتصاب المراكز… وانتخابات معطلة عن قصد!
وفي ما يخص الانتخابات الطالبية، يشدد خليفة على أن “المشكلة هي ان المتزعمين والمسيطرين على الجامعة لا يريدون حصول الانتخابات، ولا يريدون اعطاء حرية الانتخاب لغيرهم طالما هم يغتصبون المراكز ويسيطرون على الجامعة، خصوصا ان الادارات لا تنمي حس الديمقراطية عند الطلاب والكلمة هي للقوى السياسية المسيطرة والتي تفرض الايديولوجيا التي تريدها”.
من جهته، يشير شبلي الى أن “قوى الامر الواقع تقول انها مع الانتخابات ولكن في الواقع فهي ترفض الانتخابات لانها بكل بساطة تسيطر على كل شيء في الجامعة، وهكذا لا تضطر على مشاركة القرار مع احد من الاحزاب الاخرى، ففكرة الشراكة غير موجودة أصلا عند تلك القوى ومشكلتنا هي مع الفكر الإلغائي الذي لا يعرف الشراكة بحيث يريدوننا تابعين فقط وكأن الجامعة اللبنانية ملك خاص يتم التحكم بها بتلك الطريقة”.
ويعتبر ان “فساد البلاد يحميه سلاح “حزب الله” بالجملة والمفرق فيصل الى الجامعات”.
أما خوري فيشدد على أن “المشكلة بشكل اساسي اليوم هي أننا نشعر ان هناك صيفا وشتاء في كليات الجامعة اللبنانية، وهذا الامر ينسحب على طلابنا، فـ”حزب الله” يقوم بنشاطات حزبية في الفرع الاول من دون أي اعتراض فيما تمنع على باقي الاحزاب العمل السياسي، وهذه الاستنسابية في التعاطي مرفوضة وطبعاً موقفنا كـ”قوات” ليس ضد الانشطة السياسية، ولكن نحن مع السماح بإقامة الانشطة السياسية في مختلف الفروع والكليات”. ويرى ان “المشكلة التي يعاني منها الطلاب في اللبنانية هي أنهم يشاهدون جامعات اخرى تجري الانتخابات بشكل حضاري ومن دون اي اشكال، لذلك هذه الحجج لم تعد تنفع، ونحمل ادارة الجامعة مسؤولية منع العمل السياسي المنظم”.