كتب بسّام أبو زيد:
أصبح من السذاجة السياسية والعقلية أن يصدّق أحد أن عراقيل تشكيل الحكومة ناجمة فقط عن المطالبة بحقيبة من هنا وحقيبة من هناك، فالمنطق السياسي ومسار التطورات في لبنان والمنطقة يؤشران إلى أن العراقيل هي نتاج حال الانتظار والترقب لما ستؤول إليه التطورات في سوريا، ولا سيما حسم معركة حلب لصالح النظام السوري وحلفائه وفي مقدمهم “حزب الله” في لبنان.
ففي الوقت الذي كانت فيه معركة حلب تحسم، كان الرئيس السوري بشار الأسد ينتقد سياسة النأي بالنفس اللبنانية الرسمية تجاه الأزمة السورية، وكان المفتي السوري يجول في لبنان ناقلا رسائل إلى المرجعيتين المسيحيين الاساسيتين رئاسة الجمهورية والبطريرك الماروني، وكان في المقابل الرئيس المكلف سعد الحريري يتضامن أكثر فأكثر مع حلب في مواجهة الإبادة والقمع من قبل النظام السوري.
إنه مشهد متناقض سوريا ولبنانيا، ولن يترك حلفاء النظام السوري في لبنان هذا المشهد يمر مرور الكرام وأقله في حالتين:
في الحالة الأولى لن يطلق حلفاء النظام يد الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة وبيانها الوزاري، وهم يريدون منذ اللحظة الأولى افهام الرئيس الحريري أن مفتاح اللعبة في يدهم وان اي تسهيل في عملية التشكيل يجب أن يأتي وفق ما يرغبون هم وما يرغب النظام السوري. ومن هنا يأتي التمسك بما يسمونه التمثيل الوازن للنائب سليمان فرنجية وهو الصديق الشخصي للرئيس الأسد، على أن يتبع ذلك في حال حلت عقدة الحقائب، التحرر من عبارة النأي بالنفس التي كانت ترد في البيانات الوزارية، إذ لا يمكن لحكومة لبنانية أن تنأى بنفسها عن انتصارات تتوالى على الإرهابيين الذين لا يوفرون لبنان لا عند الحدود الشرقية ولا في الداخل. وبالتالي فإن الرئيس المكلف سيسمع كلاما واضحا لجهة أن ما حكي عنه من اتفاق بينه وبين الرئيس عون عن تحييد الدولة اللبنانية عن الحرب السورية، هو اتفاق ثنائي لا يلزم بقية الأطراف في لبنان، علما أن هذا الاتفاق بدأ مترنحا من خلال رفض الرئيس الحريري مصافحة السفير السوري في حفل استقبال الاستقلال في قصر بعبدا، ومن خلال استقبال رئيس الجمهورية للمفتي السوري المكروه من قبل عموم السنة في لبنان.
في الحالة الثانية لن يسمح حلفاء النظام السوري للثنائية المسيحية المتمثلة باتفاق عون- جعجع بأن تأخذ البلاد إلى حيث يريدها رئيس حزب “القوات اللبنانية”، ولا سيما لجهة محاولة إبراز الخلاف بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، وقد كان لافتا في هذا المجال وضع الوزير جبران باسيل الاتفاق مع “حزب الله” في كفة والاتفاق مع “القوات” في كفة أخرى، وهو أمر أتى في النهاية لمصلحة “حزب الله” بعد الكثير من التساؤلات التي سادت في صفوفه. ولكنها تبقى معادلة غير مقبولة من قبل الحزب الذي لن يقبل أن يساوي “التيار” بينه وبين “القوات”. ولا يأتي عدم القبول هذا من “حزب الله” بالدرجة الأولى، بل من النظام السوري تحديدا الذي أبلغ حلفاءه في لبنان أن هذه الثنائية المسيحية يجب ألا تستمر.
وانطلاقا من أمر العمليات هذا، سيواجه أعداء النظام السوري في لبنان معضلة سياسية أخرى تتمثل في قانون الانتخابات، إذ أنه لن يكون مسموحا لهم تحقيق أكثر مما حققوه في العام 2009، والسعي يجري لأن يكون تيار المستقبل الضحية الأولى لأي قانون جديد يحرمه تحت شعارات النسبية وغيرها عدداً لا بأس به من المقاعد النيابية.
إن الأيام المقبلة ستشكل المحك لكيفية تعاطي أعداء النظام السوري في لبنان مع ما يواجهونه، فإما القبول بلي ذراعهم وإما مواصلة مواجهة التعطيل مع كل ما يترتبه ذلك من أثمان قد لا تكون سياسية فقط.
