كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
تزويج الفتاة بالمجرم الذي اغتصَبها، بهدف “سَترها”، و”غسلِ شرف العائلة” وإيجاد مخرَج مشرّف للذكور من أب وأخ ومُغتصِب يتحوّل أمام “أعين الناس” إلى رَجل شريف تزوّج من الضحية التي “هتكَ عرضَها”، يتّجه قانونياً إلى الزوال. فهي لن تُلبَّس الأبيض بعد اليوم لسَتر أفعالٍ ذكورية مستفحِلة على حساب حياتها وسعادتها، ولن تُسلَّم بموافقة أهلها إلى مجرم آذاها ليعيد كَرّته ويمارس عليها العنفَ تحت غطاء الزواج الشرعي. فالاتّجاه إلى إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات سيَضمن للضحية إمكانية مقاضاة المعتدي، كما سيَعترف بها كإنسان تعرّضَ لاعتداء ويحقّ له بالتعويض والمطالبة بحقوقه من الفاعل. لن تنظر إليها قوانين الدولة اللبنانية بعد اليوم، على أنّها عارٌ ويجب على عائلتها التخلّص منها بأيّ طريقة حتّى من خلال تسليمِها إلى رَجل يستحقّ العقابَ القاسي بدل المكافأة بزواج.
يؤكّد عضو لجنة الإدارة والعدل النائب عماد الحوت في حديث لـ “الجمهورية” أنّ “مفاعيل المادة 522 انتهت، إذ إنّ اللجنة تميل إلى إلغائها كلها وإدخال بعض التعديلات على عدد من المواد البسيطة بما يتلاءم مع طبيعة الجرم”.
ويضيف: “فيما يتعلق بالاغتصاب أو بالاعتداء على قاصر، تمّ إلغاء مفاعيل المادة 522 بشكل كامل، بينما يتم درس بقية المواد في الباب السابع من قانون العقوبات كلّ على حدى لمعرفة انعكاساتها، وإذا ما كان هناك حاجة لإعادة صياغتها أم لا، وذلك ابتداءً من المادة 505، حيث ستستأنف دراستها يوم الأربعاء المقبل”.
دعم إعلامي وشعبي
سُلّطت الحملة الإعلامية والإعلانية التي أطلقَتها منظمة “أبعاد” ضمن الـ 16 يوماً من الأنشطة لمناهضة العنف ضدّ المرأة على مضمون المادة 522 التي تؤكد أنّه “إذا عقِد زواج صحيح بين مرتكِب إحدى هذه الجرائم (الاغتصاب، الفحشاء، الخطف، الإغواء والتهتك، وخرق حرمة الأماكن الخاصة بالنساء) وبين المعتدى عليها، أوقِفت الملاحقة وإذا كان صدر حكم بالقضية علّقَ تنفيذ العقاب الذي فرض عليه”.
وتؤكد المنسّقة الإعلامية في مؤسسة “أبعاد” عليا عواضة في حديث لـ”الجمهورية” أنّ النائب إيلي كيروز كان قد قدّم مشروع قانون إلى مجلس النواب يهدف إلى إلغاء المادة 522، وذلك في 29 تموز الفائت”. إلّا أنّ حملة “أبعاد” لفتَت الأنظار إلى أهمية إلغاء المادة ودعَمت هذا الطرح، فالتفَت الشعب والسياسيون إلى مشروع القانون المقدّم.
كان ممثّلون من جمعية “أبعاد” يجتمعون منذ أكثر من 3 أسابيع بأعضاء من لجنة الإدارة والعدل، وقد لمسوا تجاوبهم مع إلغاء المادة 522، بينما أعرب بعض النواب عن تحفّظاتهم، إذ اعتبَروا أنّ هذه المادة تُجنّب حدوث جرائم القتل وتَحقن الدماء خصوصاً في الأوساط العشائرية.
وأدّت الجمعيات النسائية دوراً في عدمِ موافقتها على إلغاء المادة 522 في ما يتعلّق بمفاعيل جرائم الاغتصاب، دون إلغاء مفاعيلها بالنسبة للجرائم الأخرى من خطف وفحشاء، وإغواء وتهتّك وخرقِ حرمة الأماكن الخاصة بالنساء لضمان عدم إفلات المرتكب من العقاب من خلال زواجه بالضحية في أيّ من الحالات.
وقد طمأنَ رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم، إثر اجتماع للّجنة، أن “لا حاجة للتظاهرات وسواها”، لافتاً إلى أنّ “التوجه العام والقرار هو لإلغاء المادة 522 ودراسة المواد 503 الى 521، كلّ مادة على حدة”. وأشار إلى أنّ اللجنة أنهت دراسة ثلاثة أرباع المواد، مشدّداً على أنه “لا أحد في اللجنة أبدى أيّ ملاحظة أو اعتراض أو إشكالية في ما يتعلق بالاغتصاب إطلاقاً”.
يُذكر أنّ المادة 522 تندرج في إطار الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات تحت عنوان “الاعتداء على العرض”. وتدرس اللجنة بقية هذه المواد وتقوم بتعديلات عليها إمّا بتشديد العقوبة أو تخفيفها. مثلاً بالنسبة للاعتداء على امرأة تعاني عاهةً جسدية أو نفسية، اقترحت اللجنة رفعَ الحد الأدنى على العقوبة من 3 سنوات إلى 7 سنوات من السجن.
التغيير في مجلس النواب
وتُقيّم عواضة توافقَ لجنة الإدارة والعدل على إلغاء المادة 522 بالإيجابي، مؤكدةً “انتظارَ جلسة الأربعاء المقبل التي ستشهد حسماً لباقي المواد”.
وعلماً أنّ الخطوة التالية ستكون برفع القرار إلى الهيئة العامة لمجلس النواب لتصوّت بشأنه، أوضحَت عواضة أنّ توافق لجنة الإدارة والعدل “سيَضمن التصويت لصالح إلغاء المادة 522 فعلياً ورسمياً في أوّل هيئة عامة لمجلس النواب، إذ إنّ اللجنة تضم ممثّلاً أو اثنين عن كلّ كتلة نيابية، ما يعكس حصولَ التوافق داخلها رأيَ المجلس وموافقتَه”.
وفي الختام لا شكّ في أنّ إلغاء المادة 522 قانونياً خطوة إيجابية على طريق ضمان حقوق النساء واحترامهنّ على أنّهن مواطنات بما ينصّ عليه الدستور الذي يؤكد أنّ كلّ اللبنانيين سواء أمام القانون.
إلّا أنّ الخطوة الضامنة لإنصاف المرأة تكمن فعلياً في تحرّر الذهنيات وزيادة الوعي في المجتمع، خصوصاً أنّ تزويج الفتاة لمغتصِبها أو المعتدي عليها بهدف “سترِها” عادة تَجذّرت في المجتمع دون وعي الكثيرين إلى وجود نصوص قانونية ترعاها وتشجعها.