تقرأ اوساط سياسية في الفريق المناوئ لحزب الله في كتاب ممارساته وسلوكه العام منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد، ترسيخاً لنهجه المعهود في مواجهة منظومة الدولة وسلطاتها ومراجعها الرسمية كافة، على رغم انّ سيّد العهد هو مرشحه الذي افرغ الكرسي الرئاسي عامين ونصف العام من اجل جلوسه عليه.
وتقول للوكالة “المركزية”، ان ما يتطلع اليه الحزب أبعد بكثير من تشكيل حكومة او قانون انتخابي حتى، فهو يتصرف من منطق “لكم قانونكم ودولتكم ولي قانوني ودولتي التي يفترض عليكم جميعا ان تحتكموا الى قراراتها وخياراتها”. وما الرسائل الحكومية عبر صندوق بريد رئيس مجلس النواب نبيه بري سوى لابلاغ من يعنيهم الامر، ان لا أحد في الدولة مهما علا شأنه ولو في اعلى المناصب الرسمية قادرا على تخطي قرار الحزب الذي لم يعد مجرد حالة محلية تخضع لموجبات الدولة اللبنانية بل ارفع منها، فهو في قاموسه ذي الابعاد الاقليمية خارج الجغرافية اللبنانية، مصدر السلطات لا الدستور اللبناني الذي لا يقيم له الحزب وزناً ولا اعتباراً، وما دامت الرسالة وصلت، فإن تشكيل الحكومة يصبح تفاصيل صغيرة لا تهمه الا في الشكل.
وتعتبر ان الرئيس بري يقدم للحزب ما يطمح اليه من خلال موقعه الدستوري وحنكته السياسية التي لا يختلف عليها اثنان في لبنان، ويشكل معه الثنائية الصلبة التي تمكّنه من المضي في دكّ هيبة الدولة من دون ان يظهر في الواجهة، فيراقب عن بعد مسار قطار مشاريعه التي غالباً ما تصل الى محطتها الاخيرة بنجاح، باستثناء الاستحقاق الرئاسي، لأن حزب الله لم يكن يريد رئيسا ولا عوناً بل فراغاً شاملاً ومعمماً في كل المؤسسات الدستورية للإطباق على اتفاق الطائف بفرض معادلة المثالثة على الجميع كخيار وحيد بديل عن انهيار الدولة، بيد ان ذهاب ركني فريق 14 آذار الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بتأييد ترشيح مرشح الحزب ولئن استنادا الى خياراتهما السياسية حشره في زاوية ضرورة حفظ ماء الوجه وانكشاف اللعبة اذا عرقلها.
وتشير في هذا المجال الى كمّ هائل من التناقضات في اقوال الحزب وافعاله، فهو من جهة يبدي دعما لا متناهيا للعماد عون ويدعو في مواقف قياداته وكبار مسؤوليه الى تسهيل مسار العهد ويعمد من جهة ثانية الى عرقلة تشكيل حكومة عهده الاولى من خلال تصلّب في شروط من فوضّه للمهمة بما بات يستنزف رصيده ويضعف الزخم الذي حظي به إبان انتخابه، ثم يعمد الى تنظيم استعراضات عسكرية استفزازية تارة في القصير واخرى عبر أدواته في الداخل و”عراضة الجاهلية” خير دليل، في رسالة امنية- عسكرية سياسية فهمها حكماً اركان العهد ومسؤولو الدولة ومفادها ” الامر لنا”، وسلطة الدولة الامنية تقف عند ابواب الضاحية الجنوبية.
وتعتبر الاوساط ان الحزب بدأ منذ لحظة سماع خطاب القسم للرئيس عون، بإعداد عدة المواجهة كونه لمس انسحاباً تدريجياً لمرشح الامس (الرئيس عون) من شبكة المصالح الايرانية والاتجاه نحو تنفيذ مخطط اعادة بناء الدولة بما يشكل خطراً على مصالحه، فسلك نهجا جديدا من خلال تقديم الدعم الاستثنائي لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي لم يبذل ادنى جهد لدعمه حينما توافرت ظروف ايصاله الى بعبدا يوم تبنى ترشيحه الرئيس سعد الحريري، لكنه وجد نفسه مضطرا لتقديم الدعم للزعيم الشمالي في مواجهة التحالف المسيحي المستجد بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.