كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
حين جَلَس سمير جعجع يوم الأربعاء الماضي الى يسار رئيس الجمهورية ميشال عون في مكتبه خلال زيارة التهنئة والنقاش الحكومي لم تكن «قعدة» مفتي سوريا الشيخ أحمد بدر الدين حسون في المكان نفسه حيث جلس «الحكيم» قد «بَرَدت» بعد!
في جلسة «الجنرال» و «الحكيم» تم التطرق إلى كل شيء إلا «زوبعة» دخول المفتي حسون الى قصر الرئاسة. سمير جعجع كما سعد الحريري بلعا «الموس»، فرئيس الجمهورية، ليس من النوع الذي قد يستمع الى عتاب أو «لفت نظر» أو نقاش في مسائل كهذه، والأهمّ «أن رئيس الكل يفترض أن يستقبل الكلّ».
يروى أن الرئيس كميل شمعون وخلال توجهه الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في عام 1970 حين كان الكباش محصورا بين الياس سركيس وسليمان فرنجية، ردّ على أحد معاونيه الذي بادره بالسؤال عن شعوره حيال هذه اللحظة بالقول «سأتوجّه لانتخاب من حَكَمت عليه بالاعدام قبل نحو 15 عاما. إنه لبنان. من لا يستطيع أن يفهمه، لن يتمكن من العيش فيه».
ساحة التناقضات والمفارقات فوق المربع اللبناني سمحت بعد نحو خمسين عاما بسلسلة من الاستحالات لم تتوقف فقط عند انتخاب ميشال عون رئيسا بتوافق الاضداد عليه وانتقاله الى موقع «بيّ الكل»، بل بفكرة أن يخرج المفتي حسون من القصر الجمهوري ليدخل بعده جعجع مناقشا الاحتمالات المتاحة لحماية العهد بخياراته الداخلية والخارجية، وبأن تشكّل بعبدا في عزّ الشحن الطائفي والمذهبي والسياسي بقعة يُستقبل فيها الايراني والسعودي والسوري كما الروسي والاميركي. هي الفرصة الرئاسية «الذهبية» ليس فقط لتثبيت الاستقرار بل لأداء لبنان دورا توفيقيا في محيطه الملتهب.
«حريق» القصر الجمهوري، بالأمس، أربك لبعض الوقت موظفي القصر ما اضطرهم لهجرة جماعية من بعض المكاتب والغرف لفترة محدودة. لكن ذلك لم يمنع الرئيس عون من استقبال البطريرك بشاره الراعي، ومن القيام بجولته المعتادة على الاقسام والمكاتب متفقدا وتيرة العمل.
جديد القصر الجمهوري قديمه. ثمة حراك حكومي متجدّد دشّنته مبادرة عون الأخيرة ثم كلام جبران باسيل الانفتاحي والاستيعابي والمفاوضات المفتوحة على تفاؤل تعمّمه المقرّات السياسية، ما راكم إيجابيات حدّها المنطقي «ان الانتظار لن يفيد أحدا»، كما يقول أهل القصر.
يتصرّف ميشال عون، برغم المراوحة الحكومية، وفق منطق أن من يراهن على الوقت لتغيير القواعد الميثاقية والدستورية لتشكيل الحكومة.. فإن رهانه خطأ.
فالانتخاب بحد ذاته خلق حاضنة شعبية مرتاحة لانطلاق قطار المؤسسات بدءا من رأس الدولة، واي عرقلة لانطلاق العهد ستدفع المتضرّرين الى تحميل المعرقل المسوؤلية المباشرة.
وبمنطق استيعابي واضح يدرك عون أن هناك مناخا جديدا لَفَح الساحة الداخلية منذ انتخابه رئيسا ربما لم يستوعبه البعض ولذلك «مرور بعض الوقت ضروري وشرعي للتكيّف ضمن هذه الحدود الزمنية».
أما عناوين «المناخ» الرئاسي فواضحة: التوازن الميثاقي وبناء الدولة وفق الاسس الدستورية والقانونية.
إنه المناخ «المغيّب» منذ 26 عاما وأي حكومة لن تصدر مراسيمها إلا تحت هذين السقفين تصبح هناك استحالة لاسقاطها بحجب الثقة عنها في مجلس النواب، و«الوقت لن يغيّر بالقناعات القائمة ولا المواقف في الشأن الحكومي. وما هو مطروح أو معروض لن يتبدّل، بالعكس سيصبح أكثر ثباتا».
بهذا المعنى، فإن «المطروح» هو قبول «تيار المردة» بخيارات الحقائب المعروضة عليه وهي خيارات، كما يؤكد المعنيون، «مقبولة ومنطقية وعادلة جدا»، أما الباقي من العقد، فليس سوى مجرد محاولات كل فريق ترتيب تمثيله وتوزيع مقاعده.
أما بشأن توزيع الحقائب الخدمية مناصفة «ففي التوزيع الحاصل لكافة التشكيلات المطروحة هناك استحالة لحدوث تغيير إلا فقط ضمن منطق التبادل بين الحلفاء أنفسهم».
ومن يحمّل العهد مسؤولية تكبير الاحجام، فإن «وقائع» بعبدا تكذّب هؤلاء. تنازل الرئيس عون عن مطلب «التنويع» في الحقائب السيادية مسلّما بالامر الواقع. يتحدث أهل بعبدا هنا عن غبن «فالمعروف أن وزن المالية والداخلية ليس كوزن الخارجية والدفاع، لكنّ توافقا حصل، على أن لا يكرّس كعرف، ورئيس الجمهورية غطّى بحجمه وهالته هذا التنازل»، اما لناحية حصة «القوات»، «فالكل تمثّل وفق حجمه ودوره».
وسيصبح من باب تأكــيد المؤكّد نبذ بعبدا أي مناخات توحي حتى بالتشكيك بموقف الرئاسة الاولى أو «التيار الوطني الحر» بـ «حزب الله».. «حتى إننا نرفض سؤالنا حول الموضوع لان الثقة مطلقة ومتبادلة وهذا ما سيؤكده السيد حسن نصرالله في خطابه» (اليوم)، مع التسليم بواقع أن الفريق الذي لم ينتخب ميشال عون، بعضه انتقل الى ضفة الايجابية والنيات الطيبة، والبعض قرر أن يبقى في مكانه.
من المسلّمات الاخرى، قناعة بعبدا بأنه برغم الكباش الحكومي، ولاحقا الكباش على قانون الانتخاب، ليس هناك مخطط «لضرب العهد» بعد تسليم الجميع بوجود عون على رأس الدولة ونيته الانفتاح على الجميع، «انه مجرد شدّ حبال ومحاولة لتحصيل بعض المكتسبات او تعويضها».
بشكل منتظم، وفق معلومات بعبدا، يبلّغ الرئيس نبيه بري من يعنيهم الامر في القصر الرئاسي «حرصه على علاقة بنّاءة مع عون، وبأنها مفصولة عن أي تباين بين القوى السياسية في شأن الحكومة، مع رهان عوني على أن ينعكس هذا التفاهم الرئاسي على باقي المكوّنات السياسية».
في سياق آخر، «الفوبيا» من تفاهم «التيار الوطني الحر» و «القوات» علاجه موجود في «الصيدلية الرئاسية».. «فإذا كان هناك من اتهام بتواطؤ الثنائي المسيحي لخوض الانتخابات على أساس قانون الستين وإحداث «تسونامي»، نقول لكم امشوا بقانون انتخاب على أساس النسبية. فقط الستين سيلزم «القوات» و «التيار» بالتحالف، أما في قوانين انتخابية أخرى على أساس النسبية، فليس لديهم مصلحة في هذا التحالف»!
لا ربط رئاسيا بين قانون الانتخاب وتشكيل الحكومة إلا لناحية مهمة الحكومة الجديدة إقرار مشروع القانون وإحالته على مجلس النواب، أما المباشرة ببحثه مع القوى السياسية فهو لتسهيل البتّ به مع تشكيل الحكومة.
معلومات بعبدا تشير في هذا السياق إلى رفض رئيس الجمهورية المطلق السير بقانون الستين أو القبول بالتمديد. لكن ماذا في حال قاد التواطؤ الداخلي إلى جعل «الستين» أمرا واقعا «الموضوع غير خاضع للحسابات السياسية، ولن يُفرض علينا الســتين ولا التمديد». وهنا «تنير» بعبدا الطريق لمن يتذرّع بسوء الرؤية «هناك صيغتان لاقتراحات متوافق مبدئيا على صيغتيهما هما المختلط والقانون على مرحلتين، والتوافق متاح وممكن».