رأت أوساط سياسية في بيروت عبر صحيفة “الراي” الكويتية ان كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في اطلالته الجمعة أعاد العلاقة مع الرئيس ميشال عون وتياره (الوطني الحرّ) الى “بيت الثقة الكاملة” في أعقاب ملامح الاهتزاز فيها ربطاً بمقالات صحافية صوّبت على رئيس الجمهورية وصهره الوزير جبران باسيل، الى جانب مجمل إدارة رئيس البرلمان نبيه بري لمفاوضات تشكيل الحكومة مفوَّضاً من الحزب واصطدامه مع عون أكثر من مرّة، وصولاً الى تمسُّكه بحقيبة وازنة لسليمان فرنجية على قاعدة “وإلا لن ندخل الحكومة متضامنين معه”، وهو ما أثار استقطاباً مارونياً – شيعياً نافراً كاد ان يهدّد بتفاعلاتٍ لا بدّ ان تطاول “جسر التفاهم” التحالفي بين رئيس الجمهورية و”حزب الله”.
وحسب هذه الأوساط، فإن “الرسائل” المتعددة الاتجاه وصلتْ الى عون من حلفائه المفترضين (ولا سيما حزب الله) وكرّست مجموعة “خطوط حمر” رسمتْ حدود اللعب السياسي في العهد الجديد الذي يتعاطى معه رئيس الجمهورية “القوي” وحليفه حزب “القوات اللبنانية” على انه بداية مرحلة لتطبيق النسخة غير السورية من اتفاق الطائف وهو ما يعني تبدُّلاً بالممارسة في الموازين السياسية – الطائفية التي كانت تحكم الواقع اللبناني منذ نحو ربع قرن ويشكّل عنصراً مربكاً لمساعي المكوّن الشيعي “المتراكمة” منذ العام 2005 لـ “قضم” نظام الطائف بتكريس أعرافٍ – إن لم يكن نسف هذا النظام ممكناً – تمنحه حقّ الفيتو المقرِّر في السلطة التنفيذية الى جانب الإمرة الاستراتيجية التي يقبض عليها بلا اي… نقاش.
وترى الأوساط نفسها ان “فرْملة” انطلاقة العهد من خلال استئخار ولادة الحكومة وتعليقها على عقدة “المردة” رمت الى مجموعة نقاط أبرزها:
- تأكيد ان التوازنات وقواعد اللعبة التي حكمت الوضع اللبناني في المرحلة السابقة لم تتغيّر، ومن هنا الإصرار على جعل الرئيس بري شريكاً في التأليف.
- توجيه رسالة بأن “الحلّ والربط” في الملفات الكبرى في لبنان ما زال بيد السيد نصر الله، ومن هنا أهمية إطلالته امس والتعاطي معها على انها “مفتاح” فكّ أسْر الحكومة الجديدة.
- محاولة “تطويع” عهد عون في الجانب الخارجي كما الداخلي، وهو ما تجلّى في تعمُّد الرئيس السوري بشار الأسد توجيه رسالتين نافرتيْن بدتا برسم محاولة الرئيس اللبناني تحييد بلاده عن الصراعات الخارجية. الأولى “إطلاقه النار” في حديثه الصحافي على سياسة “النأي بالنفس” للبنان والتلميح الى دعوة سيوجّهها الى عون لزيارة دمشق، والثانية ايفاد مفتي الجمهورية السورية الذي اقتصرت لقاءاته في بيروت على رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وهو ما اشتُمّت منه ايضاً محاولة لحرف الأنظار عن التجاذب الماروني – الشيعي لمصلحة استدراج توتر ماروني – سنّي ولا سيما مع تصريحات الشيخ أحمد بدر الدين حسون حول حلب و”الانتصار” فيها والتي أحرجت عون كما الراعي.
- رسْم “خط دفاع هجومي” أمام ايّ محاولة لـ “محاصرة” حزب الله وشريكه الرئيس بري في الانتخابات النيابية المقبلة من خلال الاصطفاف الذي يمكن ان يجمع تيار عون مع الرئيس الحريري و”القوات اللبنانية” والنائب وليد جنبلاط ولا سيما بحال جرتْ الانتخابات وفق قانون الستين الحالي.
وكان لافتاً امس ما نُقل عن الرئيس بري، في معرض حضّه على الإسراع في تأليف الحكومة والأخذ بمطالب المعترضين على حصصهم، من إمكان ان يصيب تآكُل المهل الفاصلة عن الانتخابات النيابية (ايار المقبل) قانون الستين نفسه (الساري حالياً) بما يجعل إجراء الاستحقاق وفق هذا القانون حتى متعذراً، راسماً معادلة “لا يساوي شرّ الستين الا التمديد” وهو ما فُسِّر على انه رفع استباقي لسقف معركة قانون الانتخاب الذي يصرّ الفريق الشيعي على ان ترسو على إسقاط “الستين” لمصلحة قانون جديد يقوم على الاقتراع النسبي، وإلا كان البديل “الفراغ في البرلمان” الذي يمكن ان يجرّ الى مأزق دستوري – مؤسساتي قد يفتح الباب مجدداً امام الكلام عن “مرحلة تأسيسية”.
وبهذا المعنى، ترى الأوساط السياسية ان كل فريق في لبنان “ثبّت موقعه” وحدّد ثوابته، و”حزب الله” رسّم “محظوراته” حيال الوضع الداخلي كما التموْضع الاستراتيجي للبنان، وبالتالي بات الإفراج عن الحكومة حاجة للجميع ولا سيما للراغبين في قانون انتخاب جديد يفرز برلماناً وتوازنات تحكم المشهد السياسي في عهد عون، ناهيك عن ان “فك الاشتباك” الموْضعي بين السعودية وايران في لبنان الذي عبّر عنه انتخاب عون يحتاج الى ان يكتمل بولادة حكومة الحريري ليكون الأمر “اختباراً ناجحاً” يمكن اعتماده في ساحات أخرى عندما تقتضي الحاجة.