لا شك ان وسائل التواصل الاجتماعي تخطت مرحلة الحضور العابر لتصبح أساسية في حياتنا وفي كل المناسبات والاحداث أكانت اجتماعية، ثقافية، اخبارية، سياسية، واعلانية…
لكن لوسائل التواصل ايضاً سيئات كثيرة نشبت بسبب سوء استخدامها، تبدأ بنشر أمور مخلّة بالآداب ولا تنتهي عند حدّ انتهاك حرمة الموت والحرية الشخصية للفرد، بالإضافة الى تظهيرها عقد نفسية لكثيرين جراء الامور التي ينشرونها او يكتبونها على حساباتهم الشخصية.
فإذا اردنا ان نحصي اعداد الـCheck Ins لعدد من اصدقائنا قد لا ننتهي من عدها إلا بعد ساعات طويلة، كما أن الأمر الرائج اليوم هو استخدام خاصية النقل المباشر Live لكل الامور حتى التافهة منها، اذ ان الخاصية وجدت لامور مهمة تسويقية وترويجية وحتى ثقافية واعلامية، لكن سوء استخدامها في لبنان وصل لدرجة انه يكاد لا يمر يوم سبت من دون ان نشاهد اعدادا لا تحصى من فيديوهات السهر والتي لا تتضمن اي مضمون سوى موسيقى عالية وفتيات وشبان يرقصون.
فكيف تصنّف علاقة اللبناني مع مواقع التواصل؟ وهل هو حقيقي ان ثمة عقد نفسية تقف خلف بعض التصرفات التي نقوم بها على هذه المواقع؟
حسابك… نفسيتك
عالمة النفس والاجتماع الدكتورة ديزيريه قزي تؤكد في حديث لـIMlebanon “أننا نحب الامور التي تشبهنا ولا ننظر الى الامور التي لا تعنينا بل فقط التي تعبر عن حالتنا، ففي حالات كثيرة يمكن لأي متابع ان يعرف ما الذي يمر به صديقه عبر المنشورات التي ينشرها على حسابه، إن كان يشعر بالاحباط او السعادة او الحزن وغيرها من الامور فمواقع التواصل الاجتماعي هي صورة عنّا وكل ما ننشره هو دلالة عما نحب او نشعر به، لذلك يمكننا ان نشعر بوجود شخص محبط او يتجه حتى نحو الانتحار عبر متابعة ما يقوم بنشره من امور على حسابه أكان “تويتر” او “فيسبوك” وغيرها من الوسائل، وفي هذه الحالة يمكننا مساعدته والوقوف الى جانبه”.
وترى ان “وسائل التواصل الاجتماعي تتضمن وجهين، وجه ايجابي ووجه سلبي، فهناك من ينتهك الحرية الشخصية لصديق معين او فرد من العائلة وتتمثل احيانا في نشر صورة لمريض وهو على فراش المستشفى وهذا الامر خاطئ لانه لا يجوز انتهاك حرية احد فقط من اجل اظهار اننا نمر في محنة ونريد ان يتعاطف معنا الاصدقاء ما يدل على عقدة نفسية مقلقة.
لكنها تعتبر “الحالة المنطقية الوحيدة هي عندما الشخص المعني ينشر صورته على فراش المستشفى وهذه تكون رسالة مباشرة منه الى محبيه ليقول لهم انه مريض لكي يقوم بزيارته او الاطمئان عليه”.
وتلفت قزي الى أن “هناك أمورا لا تجوز تحصل في بعض حالات الدفن والعزاء بحيث يقوم بعض الاشخاص باتخاذ صور الى جانب المرحوم، وهذا الامر فيه انتهاك لحرمة الموت فضلا عن ان نشر هكذا صور يشكل صدمة سلبية لدى المتابعين، من دون ان ننسى صور وفيديوهات الحروب والاشتباكات والانفجارات بحيث تنشر صور القتلى والجرحى من دون اي مهنية او اخلاق”.
جيري غزال: عن موضة الـLive !
وعن خاصية النقل المباشر الـLive التي انتشرت بشكل هستيري يوضح خبير مواقع التواصل الاجتماعي والاعلامي جيري غزال لـIMlebanon أنه “في كل دول العالم استخدمت خاصية الـLive في جميع المناسبات ولم تنحصر فقط على المؤتمرات والاجتماعات المهمة او التغطيات المباشرة الضرورية، لذلك ما نشاهده يوميا من تسجيلات مباشرة لاصدقائنا على مواقع التواصل يحصل في جميع دول العالم وليس فقط في لبنان، فعندما “درجت” موضة “السيلفي” لم يبق أحد على وجه الارض لم يصور نفسه بتلك الطريقة، بالإضافة الى “عصا السيلفي”…
ويشدد على أن “من سيئات النقل المباشر عبر “فيسبوك” هو انه لا رقابة لهذا النقل وممكن اي شيء يحصل ويشاهده آلاف المتابعين، إن كان شتماً او موقفاً محرجاً او غير مألوف، لذلك خاصية الـLive يجب ان تستخدم بطريقة سليمة وواعية من قبل الشخص خصوصا ألا عودة عما يقوم بتصويره”.
قزي تشير من الناحية النفسية الى أن “هناك من لا يحسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ويعتقد انها موجودة فقط لكي يشفي حبه لنفسه وعقد النفس التي يعاني منها”.
الـCheck In عالم آخر!.. غرور وحب ظهور
مستوى آخر من الالتصاق بمواقع التواصل تعتبر عنه خاصية الـCheck In، فيؤكد غزال عنها أن “اللبناني يبالغ بعض الشيء في استخدام بعض الخاصيات، مثل مسألة الـCheck in التي نراها في كل مكان وزمان وكأن هذا الشخص يقول لنا انه في هذا المكان او يسعى لايصال رسالة انه دائما يقوم بنشطات عدة، ولكن في بعض الاحيان يكون الـCheck in من اجل تمرير رسالة لشخص ما موجود في المكان نفسه، ولكن هذا بالطبع نادرا ما يحصل، وعلينا ألا ننسى ان بعض المؤسسات التجارية تقدم جوائز او لتأكيد الـCheck-in لعدد من المرات لذلك في بعض الأحيان تكون الغاية تسويقية”.
من جهتها تقول قزي: “الـCheck In على الامور العادية والبسيطة تدل على غرور الشخص وحب الذات وحب الظهور بحيث يقول للجميع “أنا هنا انظروا إلي”. وتسأل: “ما الغاية من وضع Check In إذا كنت في مطعم عادي اتناول الطعام؟ فالغاية في مجمل الاحيان تكون لاظهار الآخرين انني في هذا المكان الفخم، وهذه دلالة على الغرور والتكبر وفيها نوع من الـShow Off”.
وتضيف ان “هناك بعض الحالات المنطقية التي نتفهم وضع الـCheck In من أجلها، وهي في حال كان الشخص في المطار ومتوجه الى خارج البلاد، فهنا يقول لاصدقائه انه مسافر، ولكن كثرة استخدام تلك الخاصية تعكس حب الذات والغرور ما يدل على عقدة نفسية لدى الشخص، خصوصا ان هناك من يضع Check In انه في المطار فقط لكي يخلق بلبلة انه مسافر ولكي ينال الاهتمام من قبل الاصدقاء ليسألوه اذا هو فعلا سيسافر ام لا”.
آثار بالغة الاهمية
وعن آثار هذا الالتصاق بمواقع التواصل الاجتماعي ترى قزي ان الحياة الخاصة تتأثر بشكل سلبي بسبب وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا ان كل ينشر يعكس نفسية المستخدم، من دون ان ننسى التقاط صور “السيلفي” الشبيهة لبعضها ونشرها كلها من اجل نيل الاهتمام من المتابعين ما يدل على عقدة نقص لدى الفتاة او الشاب الذين يلهثون وراء الاهتمام”.
وطالبت مراقبة الامور التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا ان هناك اطفالا واولاد دون السن القانوني يتابعون تلك الوسائل، بحيث يتم نشر فيديوهات تتضمن ايحاءات جنسية وشتائم بالإضافة الى صور مخلة. وشددت على مسألة مراقبة الأطفال والمراهقين وحتى البالغين مع من يتحدثون عبر تلك الوسائل لانهم قد يكونوا عرضة للمتحرشين جنسيا.