كتب طوني عيسى في صحيفة “الجمهورية”:
في إطلالته الأخيرة، بدا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في أعلى درجات الهدوء والثقة في مستقبل العلاقة مع الرئيس ميشال عون. إذاً، بدأت تهدأ وضعيّة «الترجرج» التي سادت الأسابيع الستة الأولى من العهد. وواضح أنّ عون هو الذي بدأ بإنهاء «الترجرج»، وليس «الحزب».يعتقد بعض المحسوبين على فريق 8 آذار أنّ فترة التشدُّد التي مارسها «الحزب» وحلفاؤه، والتي ترجمتها أزمة تأليف الحكومة، كانت كافية ليفهم الجميع حدود اللعبة ويعودوا إلى «الواقعية»، فيهدأ «المتحمّسون» أو الذين ظنّوا في لحظات معيّنة أنّ انتخاب عون سيقلب أصول اللعبة السارية رأساً على عقب.
بعد وصوله إلى القصر، وقف عون عند المفترق الحاسم: هل يبقى في معراب؟ أم يعود إلى مار مخايل؟ أي هل يرجِّح كفة تحالفه الجديد، داخل البيئة المسيحية، والعابر لاصطفاف 8 و14، أم يعود إلى أولوية تحالفه القديم مع «حزب الله»؟
بعض الخبراء يقولون: «كان «حزب الله» يفهم عون ويتفهَّمه سيكولوجياً: إنّ شخصيةً عسكريةَ المنشأ، حريصةٌ على إثبات صدقيتها ووفائها، كالرئيس عون، لا يمكن أن تتنكَّر لدور «القوات اللبنانية» في إنجاح عملية الانتخاب، ولا لدور الرئيس سعد الحريري. وكلاهما آتيان من خارج صف 8 آذار وقدَّما التنازل لهذه الغاية.
أدرك «الحزب»ـ وفق هؤلاء ـ أنّ مطالبته لعون باكراً بالتنكُّر لـ«القوات» فور وصوله إلى بعبدا ستكون قاسية جداً، وربما غير واقعية. لذلك، هو راهَن على أنّ الوقت كفيل بنصف المعالجة، وتأتي السياسة لتتكفّل بالنصف الآخر. وهكذا، هدأت الحماسة وبدأت اللعبة السياسية الداخلية تعود إلى المنحى «الروتيني»، حيث كلّ طرفٍ يدرك حدود قدراته وهوامش المناورة.
لذلك، تراجع عون عن سقف مطالبه الأوَّل، وكذلك «القوات»، وأما الحريري فهو أساساً بقي في وضعية الـ»ما بين بين» وعلّمته التجارب أن لا يزعج أحداً، حتى «حزب الله»، تحت سقف الحوار الذي يرعاه الرئيس نبيه بري.
وكان لـ«استراتيجية الصمت» التي يلتزمها عون دور أساسي في معالجة الأزمة. فهو منذ انتخابه، وعلى رغم كلّ العثرات التي اعترضت انطلاقة العهد وتأليف الحكومة، وعلى رغم الانتقادات الواضحة والمبطّنة للعهد، وخصوصاً أقرب القريبين إليه كالوزير جبران باسيل، فإنّ عون بقي صامتاً.
وفيما بعد، بدأت تنجلي «غيمة الصيف» باللقاء الذي جمع باسيل والحاج وفيق صفا. صمد «حزب الله»، وصمت أيضاً. وكالمعتاد لم يستعجل ردّات الفعل لئلّا ينزلق إلى أيّ زلّة قدم أو زلّة لسان مع الحليف الماروني.
واكتفى بالإتكال على ما سيقود إليه موقف بري الذي جيَّر له إدارة معركة الحكومة وكلّ الملف السياسي الداخلي. من المفارقات أنّ النائب سليمان فرنجية، بعلمه أو بغير علم، لعب دوراً أساسياً في إعادة الدفّة إلى مسارها بين عون و»الثنائي الشيعي».
فخصوصيّة فرنجية هي أنه يحظى بدعم لا لبسَ فيه من «الثنائي»، ومن الحريري، ومن بكركي على حدٍّ سواء. وليس لعون أن يعترض على موقع فرنجية. وهو نفسه لطالما اعترف به، منذ أن كانا معاً في زمن التحالف.
لقد كان فرنجية هو الحجر الذي تعثّرت به الحكومة العتيدة. وكان يُراد لها أن تتعثّر بتمثيل فرنجية ليأتي الحلّ المنتظر للتمثيل المسيحي عموماً، وخصوصاً تمثيل عون نفسه في الحكومة وتمثيل «القوات». ولذلك، بدا مستحيلاً أن يقبل «الثنائي» بتجاوز فرنجية في تأليف الحكومة… ومن خلاله تُرسَم معادلة التمثيل المسيحي «المنشودة».
بإصرار فرنجية على موقفه، وتمسّك «حزب الله» وبري بمراضاته بوزارة «مهمة» كوزارة الأشغال العامة من ضمن الحصة المسيحية، يطمح الطرفان الشيعيان إلى تنفيس جزءٍ من الطموحات «القواتية» في الحكومة، من حيث حجم الحقائب ونوعها. ولا يبدو الحريري بعيداً عن مراضاة فرنجية الذي بقي حتى اللحظة الأخيرة مرشحه لرئاسة الجمهورية.
مع انطلاق العهد، راهن البعض على أنّ عون سيبتعد تدريجاً عن «حزب الله» ما أن يصل إلى القصر، خصوصاً بعدما اختبر أنّ «الحزب» بدا مراراً غيرَ متحمّس لوصوله إلى بعبدا. لكنّ هذه المراهنة سقطت بعد التحسّن الملموس الذي طرأ على العلاقة بين عون و»الحزب» في الأيام الأخيرة، والذي قد يؤدي إلى ولادة الحكومة.
بعد 6 أسابيع من انتخاب عون، يبدو أنّ «حزب الله» قد تحرَّر من إحراجات الأيام الأولى التي أراد فيها «ضبط» حليفه المسيحي لئلّا يذهب بعيداً في تحالفه مع «القوات اللبنانية» على حسابه. وهو اليوم يراقب كلّ شيء بهدوء، وقد نجح في مهمته، بمساعدة بري وفرنجية.
ويقول البعض في هذا المجال إنّ «الحزب» نفَّذ خطة عسكرية تقضي بفتح ثغرةٍ في الحصار يُتاح للخصم أن يخرج عبرها، فينزلق إلى الميدان، حيث يكون «الحزب» قد جهَّز له العدة والعديد. وعندذاك، يقع الخصم في القبضة أسيراً. و»الحزب» لا تنقصه المهارة في الخطط العسكرية وتطبيقتها في السياسة وسواها.