Site icon IMLebanon

أزمة الصحافة وثقافة الحكّام

 

 

كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:

وأخيراً، أعلنها طلال سلمان بعد طول تفجُّع وتوجُّع… سيقفل صفحات جريدة السفير بالشمع الأحمر، فيما سائر الزميلات يرزحنَ تحت وطأة المعاناة، ويحتفِظْن ببعضٍ من أصابع الشمع، إذا ما أدَّى استنزاف القرش الأبيض الى مغَبَّة اليوم الأسود.

عندما تقع الصحافة شهيدة السقوط والسكوت يُكمُّ فمُ الحرية، ويترنَّح النظام الديمقراطي بين سلطتين: سلطة الديكتاتوريِّة وسلطة الجهل.

قال لي مسؤول في أحد مراكز الإحصاء: إنَّ ما يقارب الخمسة والتسعين في المئة من السياسيين: نواباً ووزراء وحزبيّين وسائر عشائر السرايات والقصور، لا يشترون الصحف ولا يقرأونها.

وإِنَّ من يرتكبون هذه «الحماقة» إنما يشدّهم الى الصحف ما يستهويهم فيها من عمليات البيع والشراء واستدراج العروض والتلزيمات بالتراضي، فضلاً عن متابعة أخبار الفنانين، وما يُكْتب عن التحرّش الجنسي الذي فيه من التشويق ما ليس في التحرّش السياسي.

وقيل أيضاً: إنَّ هناك فريقاً من السياسيين يتخلّون عن ذكائهم للهواتف الذكيّة ويلجأون إليها بما تحمل من ألعاب التسلية واللهو، وبما تؤمِّن عند الضجر والسهر من راحة لأعصابهم بفعل ما أرهقهم السهر على مصالح الناس.

ومن أجل أن استكشف ما إذا كان عند الطبقة السياسية هوايات أو ميول فكرية مكتومة أو مكبوتة، رحتُ أستنجد بمقالات فيها البليغ من الأقوال والأمثال للفلاسفة والحكماء والشعراء بالإضافة الى آيات من المصاحف والأناجيل… فاتضح لي، أنني عبثاً حاولت، لأن أهل السياسة والحُكْم لا علاقة لهم بأهل الثقافة والعلم.

هناك ثقافة الجهل المتراكم لدى الطبقة السياسية المتوارثة، وهناك ثقافة النعل لدى اللُّقطاء من السياسيين الجدد، الذين انتقلت معهم الثقافة الى الأحذية، وانتقلت الأحذية من الأرجل الى الألسنة.

والسلام من بعد، على المقالات وآيات الرسالات وألف رحمة على أرسطو وأفلاطون وإبن خلدون وإبن المقفع وكتاب كليلة ودمنة الذي يلجأ الى ألسنة البهائم لتعميم الإرشاد، وتهذيب النفس وإصلاح الأخلاق وحسن الكياسة في النزاهة والسياسة.

وهل تأسفون إذ ذاك: على الإقفال النهائي للصحف، وهل تستغربون كيف وصلنا الى هذا المستوى من الإنحطاط السياسي، ما دام المسؤولون عندنا لا يقرأون ولا يكتبون، وكل ما يرتضونه لأنفسهم من قبيل التحصيل الثقافي، هو ملاحقة أخبار التحرش، ومتابعة إعلانات استدراج العروض والتلزيم بالتراضي، وكيف لهم والحال هذه أن يعلموا، أنّ أرسطو قال ذات يوم: إنّ الإنسان حيوان سياسي.