IMLebanon

التعطيل والقضم والعراقيل.. لاستنزاف التحالف الثنائي المسيحي

تميل قوى سياسية عديدة معنية باتصالات تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة، إلى الاعتقاد بأن العراقيل أمام ولادة حكومة العهد الأولى برئاسة الرئيس سعد الحريري، سياسية أكثر منها توزيرية أو متعلقة بالحقائب والأسماء، وأن العقد التي برزت قبل طرح الصيغة الثلاثينية وبعدها مجرد غطاء للأسباب السياسية، التي تكمن وراء تأخير ولادتها. وفي اعتقاد مصادر هذه القوى، وبعضها ينتمي إلى 14 آذار، أن فريق 8 آذار بقيادة التحالف الشيعي، ما زال على توجسه من تحالف الثنائي المسيحي، أي “التيار الوطني الحر” و “القوات اللبنانية” من جهة، ومن التفاهم بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحريري من جهة ثانية.

وترى هذه المصادر بحسب صحيفة “الحياة” أنه قبل انتخاب الرئيس عون وبعده، عبّر الثنائي الشيعي عن هذا التوجس الذي ما زال قائماً على رغم نفي الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله التقارير الصحافية التي نشرت في هذا الصدد، من باب طمأنة الرئيس عون إلى أن لا ارتياب في توجهاته وتحالفه مع الحزب. لكن مصادر القوى التي تنظر إلى العراقيل التوزيرية على أنها ذات خلفية سياسية، تعتبر أن رئيس البرلمان نبيه بري كان عبّر عن رغبته في مواجهة تحالف عون- “القوات”، بالميل إلى السعي للحصول على الثلث المعطل في الحكومة من دون احتساب حصة عون في الحكومة، لأنه بات حليفا لـ “القوات”، مثلما كان عبّر عن غضبه حيال اتفاق الحريري مع عون على الرئاسة. ومفاعيل كل ذلك تجري ترجمتها في المناورات المتعلقة بتشكيل الحكومة الآن.

 تضيف المصادر إياها لـ “الحياة” أن الثنائي الشيعي يعتمد سياسة القضم والخطوة خطوة في الحصول على مطالبه السياسية من الحكومة. فخاض بداية معركة الحؤول دون حصول “القوات” على حقيبة سيادية (الدفاع) ثم نجح في انتزاع حقيبة خدماتية كانت أعطيت لـ “القوات” هي وزارة الأشغال، لتصبح في يد من يمثل الحليف رئيس “المردة” سليمان فرنجية. والخطوة التالية هي اشتراطه و “حزب الله” توسيع الحكومة من 24 إلى 30 وزيراً من أجل تمثيل حلفائه الآخرين، أي “الحزب السوري القومي الاجتماعي” عبر النائب أسعد حردان (أرثوذكسي)، والنائب طلال أرسلان، فضلاً عن أن هذا التوسيع يكسبه وزيراً شيعياً سادساً، ما يجعل عدد وزراء الثنائي الشيعي 9، ويصبح 10 إذا صح أن الرئيس عون قد يسمي الوزير السابق يعقوب الصراف لحقيبة الدفاع التي باتت من حصته (وهو قريب من قوى 8 آذار) ما يعني الحصول على ثلث الوزراء في الصيغة الثلاثينية، فينقصه وزير واحد ليحصل على الثلث المعطل أي الثلث +1 قد يكون من بين وزراء أصدقاء للعهد ولقوى 8 آذار معاً، فيصبح الثلث المعطل مكسباً مقنعاً، له مفاعيله في التصويت داخل مجلس الوزراء في القضايا الأساسية، ومنها التعيينات الإدارية في الفئة الأولى (قائد الجيش مثلاً) التي تحتاج ثلثي عدد الوزراء، وهو ما ينص عليه الدستور.

وفق هذه القوى التي تنسب العراقيل إلى الخلفيات السياسية، فإن سعي قوى 8 آذار إلى رفع عدد وزرائها يضاف إلى المشاكل التي يمكن أن تحشر الحليفين عون والقوات، والتي تنشأ عن توسيع الحكومة بعد أن كانت الحقائب توزعت، إثر أخذ ورد لأسابيع، على الفرقاء السياسيين في صيغة الـ24 وزيراً. فإشراك حزب “الكتائب” على رغم أنه ليس من قوى 8 آذار، مع مطالبته بحقيبة، يتطلب نزع حقيبة من وزراء عون أو “القوات”. فضلاً عن أن ترشيحه الكاثوليكي الوزير ألان حكيم، يحول دون تحقيق رغبة عون بتوزير الكاثوليكي سليم جريصاتي. كما أن الرغبة في إسناد العدل لجريصاتي كادت تتسبب بخلاف مع رئيس “اللقاء النيابي الديموقراطي” وليد جنبلاط الذي أصر على أن تبقى في عهدة الوزير مروان حمادة. ونزع حقيبة من “القوات” أو عون لمصلحة الوزير القومي حردان يتسبب بمشكلة أيضاً… وهو ما دفع رئيس “القوات” سمير جعجع إلى التأكيد أنه ليس مستعداً للتخلي عن أي حقيبة.

وتختصر مصادر القوى هذه الاضطراب الناجم عن توسيع الحكومة بالقول إنه يؤدي إلى مناوشات واشتباكات ومماحكات بين الحلفاء وبين القوى التي ستضمها الحكومة، فيؤخر قيامها. وترى المصادر أن قوى 8 آذار تتذرع بحجة أنها كانت تؤخر تأليف الحكومات السابقة من أجل تلبية مطالب الحليف العماد عون وتضامناً معه، فلماذا لا تفعل لمصلحة الحلفاء الآخرين الآن؟

ولا تكتمل صورة الأسباب السياسية للعرقلة عند هذه المصادر، من دون التشديد على الجانب الإقليمي منها، والمتعلق بالخلاف العميق بين الثنائي الشيعي و “تيــار المستقبل” والحريري، حول التطورات السورية ومأساة حلب، إضـــافة إلى عدم ارتياح النظام في دمشق و “حزب الله” إلى انفتاح المملكة العربية السعودية على العهد الجديد وسائر الدول، كعوامل أساسية وراء تأخير تأليف الحكومة، على رغم دعوة نصرالله إلى الفصل بين إنجاز الحكومة والوضع الإقليمي.

 وتخشى أوساط سياسية متعاطفة مع العهد والحريري، من أن يكون التوافق على قانون الانتخاب بات واحداً من العثرات أمام الحكومة لأسباب سياسية أيضاً، بعد أن ربطت كتلة “الوفاء لمقاومة” الاتفاق عليه “بموازاة” تشكيل الحكومة، في وقت يسعى “التيار الوطني الحر” عبر جولاته على الفرقاء السياسيين إلى فصله عن تأليف الحكومة عبر انكباب البرلمان على إقراره بحجة التسريع في هذه العملية واستدراك المهل القانونية لدعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع قبل 3 أشهر من موعد الاقتراع في نيسان – أيارالمقبل، وباعـتبار أن دراسة القانون كانت في عهدة المجلس النيابي منذ زهاء 4 سنوات، فالربط بين المسألتين يعني تأخير ولادة الحكومة في انتظار حصول هذا التوافق، وهذا الربط يصبح تعجيزياً طالما أن “حزب الله” يصر على قانون يعتمد النسبية بالكامل ولبنان دائرة انتخابية واحدة، أو المحافظات دوائر انتخابية، في ظل رفض فرقاء آخرين النسبية الكاملة وتفضيلهم الصيغة المختلطة بين النسبية والنظام الأكثري، على غرار مشروع بري (مناصفة بين النظامين) ومشروع “المستقبل” و”القوات” والحزب “التقدمي الاشتراكي” بانتخاب 68 نائباً على الأكثري و60 على النسبي).

وإذا صح توقع المصادر هذه في شأن الخلفية السياسية للـــعراقيل، تبــــدو الحكومة متأخرة نظراً إلى إصرار الرئيس بـــري على توسيعها، على رغم أن من التقوا الرئيس المكلف في الساعات الماضية ينقلون عنه أنه أخذ لنفسه أياماً قليلة لحلحلة عقد الحكومة الثلاثينية، وأن التـــشكيلة سـترى النور قريباً.