Site icon IMLebanon

مذهبية الحرب الإيرانية وميليشياتها العراقية والأفغانية واللبنانية

كتب علي الحسيني في صحيفة “المستقبل”:

يوماً بعد يوم، يظهر بشكل قاطع أن “حزب الله” يسير في حربه في سوريا، على طريق التقسيم المذهبي بتوجه ومُخطّط فارسي لا يحمل سوى الأحقاد والفتنة لكل ما هو عربي، وعلى مبدأ احتلال ما أمكن من مساحات جغرافية داخل الوطن العربي. والمؤسف في هذا التوجّه الفارسي الذي يوازي المشروع التوسّعي الذي تقوم به إسرائيل من احتلالات مُماثلة لأراضٍ عربية، أن هناك أطرافاً عربيّة أو يُفترض أنها تنتمي إلى القومية العربية، تساعد على تحقيق هذا المشروع ولو على حساب دماء أبنائها ومستقبل أوطانها.

أمس الأوّل تجلّى المشروع التوسعي الإيراني الذي حط رحاله في حلب بعد “القصير” و”الزبداني” و”مضايا”، لدى ظهور قائد الحرس الثوري قاسم سليماني وهو يتجول في أحياء مدينة حلب التي تفوح منها رائحة الدمار والتي شهدت مقتل الأطفال وتناثرت فيها جثث المدنيين. مشهد لا بد وأنه ترك آثاراً موجعة في نفوس أهالي المدينة النائمة على رائحة موت أبنائها المظلومين، في وقت ينتظر من تبقّى منهم على قيد الحياة، الضوء الأخضر، للّحاق بمن تمكّن من النزوح بعدما عرقلت قوّات النظام والميليشيات الإيرانية بمن فيها “حزب الله”، خروجهم إلّا بعد إخراج المُصابين من القريتين الشيعيتين “كفريا” و”الفوعا” اللتين تُحاصرهما المعارضة السورية. وهو الأمر ذاته، الذي فعله “حزب الله” يوم حصاره لبلدة “الزبداني”.

هذا التوسّع الذي خطاه “حزب الله” في سوريا بتوجه إيراني، يؤكد أن دخوله كطرف أساسي في الحرب السوريّة، لم يكن هدفه حماية بشّار الجزار ولا حتّى نظامه، بل إن الأمر يتعدى هذين الاعتقادين ليصل الى حد اقتطاع قرى وبلدات سوريّة بحالها تقع بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الشرقية المعروفة بجبال “القلمون” المُمتدة من السهل المحيط بمدينة حمص السورية شمالاً حتى جبل الشيخ في مرتفعات الجولان السورية جنوباً. والأطماع هذه لم تعد مُجرّد حلم بالنسبة إلى الحزب ولا حبراً على ورق، بل أصبحت ناجزة منذ أن تنازل له الأسد الإبن عنها يوم استغنى عن سوريا للذين “يُدافعون عنها وليس لمن يحمل جنسيتها”. والكلام هذا، كان ثبّته الحزب وكرّسه، يوم منع النازحين السوريين من العودة إلى قُراهم وبلداتهم قبل فترة وجيزة من “الانتخابات” الرئاسية “الفلكلورية” على الرغم من إصرار الأسد على عودتهم بهدف كسب شرعية لإنتخاباته تلك.

وأمس الأوّل، اتهم ناشطون سوريون قوّات من الحرس “الثوري الإيراني” و”حزب الله” الموجودة في حلب، بإفشال عملية إخلاء المدنيين بعدما قامت بعملية إعدام لستة مدنيين وإصابة متطوعين من الدفاع المدني، وذلك خلال احتجاز إحدى قوافل المهجرين من الأحياء الشرقية في المدينة. وفي الوقت الذي كانت تُلملم فيه حلب جراحها المُتعاظمة وتبحث عن بُقعة ضوء من تحت الركام للنفاد عبرها من أجل تكملة رحلة البحث عن المفقودين، خرج نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم ليتحدث عن “انتصار كبير سيفتح الباب للحل والحوار السياسي في سوريا”. فهل تبقّى في سوريا غير الدماء والجثث المنتشرة بين الأحياء والضحايا العالقين تحت الردم والدمار، ليتحاور معهم؟. أمّا كلامه عن “غياب الأمم المُتحدة عن مساعدة أهالي حلب”، فيُحيله المُحاصرون في المدينة، إلى يوم حصار “حزب الله” لمدينة “مضايا” وقد امتنع عن تزويد أهلها بالغذاء والدواء، إلّا بعد تنازلهم عن أرزاقهم ومُمتلكاتهم.

وتأكيداً على مذهبية الحرب التي تخوضها إيران وميليشياتها العراقية والأفغانية واللبنانية، أعلن فصيل “أحرار الشام” في تسجيل صوتي أمس، عن التوصل لاتفاق مع روسيا وإيران لاستكمال الإجلاء من شرق حلب، يقضي بإخراج المدنيين المحاصرين والمسلحين مقابل إخراج بعض الميليشيات من “الفوعة” وبعض المصابين من “مضايا” و”الزبداني”. وبعد هذا يُحدّث الشيخ قاسم بأن “الجماعات المسلحة هدفها السيطرة وليس لديها أي برنامج أخلاقي ولا سياسي”. والسياسة هذه، تُعيدنا لدراسة سياسية أعدها الباحث في الشأن الإيراني سوران خدري يقول فيها إن “النظام الإيراني، وحسب ظروف معينة، يستخدم القوة لإنجاز وتحقيق طموحاته في المنطقة، فمثلاً قبل الربيع العربي كان دور حزب الله منحصراً في سياسة داخلية لبنانية وآلة ضغط في سياسة إيران الخارجية. ولكن بعد الثورة السورية، تغير هذا الدور وأصبح حزب الله يضطلع بدور إقليمي لا يصب إلا في مصلحة هذا النظام”.

ومن خلال العودة إلى صورة سليماني التي ظهر فيها وهو يجول في أحياء حلب، تظهر بشكل أوضح العسكرة المذهبية البشعة التي أدارها هذا الرجل خارج بلاده تطبيقاً لسياسة بلاده الداخلية. فمع توسّع المشروع الفارسي بات الإيرانيون يحتاجون إلى عدد أكبر من الجنود والبيادق، و”حزب الله” وحده لا يكفي لهذه المُهمة، ومن هنا كانت الحاجة إلى ميليشيات ومرتزقة مذهبية، فكان إنشاء لواء “الفاطميين” من الأفغان الشيعة ولواء “الزينبيين” من شيعة باكستان وميليشيا “النجباء” من العراق، بالإضافة إلى سوريين ويمنيين. وبمعاونة ومساعدة هذه المُرتزقة، سار سُليماني أمس، على أشلاء ودماء أهالي حلب وعلى مشاعر أطفال أيتام، ولّد المشهد في نفوسهم، حب الانتقام وحلم العودة مع نظرة مُشتعلة في العيون، تقول، لك الله يا حلب.