كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
قد لا تكون المرّة الأخيرة التي يصوب فيها وئام وهاب إحداثيات مدافعه صوب وزارة الداخلية. سبق له أن فعلها أكثر من مرة محوّلاً نيرانه باتجاه «صديقه» نهاد المشنوق، لاعتبارات تبقى ملكه وحده.
يبدأ الرجل قصفه براجمة «الخيارات الاستراتيجية»، وتنتهي قضيته بسلّة مطالب خدمية تُحلّ أزمتها بـ «شحطة قلم»، فتعود الأمور الى نصابها!
من المعروف عن الرجلين صداقتهما القديمة لدرجة اعتبار وهاب يوماً أنّ الحملة على وزير الداخلية «استهداف مزدوج لخط الاعتدال ولما تبقى من مؤسسات تحفظ الدولة والمواطن وفي مقدمها مؤسسة قوى الامن الداخلي»، والدفاع عنه أيضاً حين يكون وليد جنبلاط وراء المدفع «لرفضه إزاحة ضابطين درزيين من مكتبه لا يدينان بالولاء السياسي لجنبلاط».
فجأة ينتقل وهاب وبخفة الريشة الى ضفّة الغمز مما تخبئه صفقة الميكانيك، لتكون آخر «وصلاته» دعوة سعد الحريري الى عدم توزير المشنوق مرة ثانية لأنه «قام بالكثير من الانجازات الامنية وهو على تنسيق دائم مع «حزب الله» وقيادات الحزب، لكن المشكلة أن هناك فوضى بالمرامل والكسارات أو هناك تسامح»!
بنظر بعض «المستقبليين»، فإنّ مفتاح كلام الوزير الدرزي السابق، هو في السطر الأخير حين يختصر كل شكواه بفوضى المرامل والكسارات، لتسأل عن علاقته بهذا الملف، وما يضمره من التلميح وما اذا كان له علاقة بـ «كسارة آل فتوش».
ومع ذلك، المسألة ليست في الرشقات الوهابية، اذا لم تقرن بحملة أثارت التساؤلات في توقيتها، وأتت من جهات مختلفة، أو بالأحرى متخاصمة، التقت جميعها عند هدف التصويب على المشنوق، في عز لحظات التأليف الحكومي.
قبل ساعات قليلة من «الصحوة البيئية» عند وهاب، كان ايلي الفرزلي بدوره ينتقد وجود وزير للداخلية مرشحا للانتخابات النيابية وهو الذي سيتولى لاحقاً الإشراف على الاستحقاق النيابي المقبل.
انتظر «دولة الرئيس» الأرثوذكسي آخر ساعات ما قبل ولادة حكومة الوحدة الوطنية كي يطالب بحكومة حيادية تشبه تلك التي ترأسها نجيب ميقاتي في عام 2005، مع العلم أنّ تجربة المشنوق مع الاستحقاق البلدي كانت موضع اشادة محلية وخارجية نظراً لحرصه على تنظيم الانتخابات البلدية من دون أن يثير غبار الريبة أو الانحياز لفريقه السياسي.
ولهذا، ثمة من يعتقد من «المستقبليين» أنّ «تنغيم» ايلي الفرزلي على ازدواجية دور المشنوق في كونه يشرف على الاستحقاق وهو أحد المرشحين في الوقت عينه، ما هو الا اعتراض على طريقة «الحكي مع الجارة لتسمع الكنة»، لكون المقصود من هذا «التلطيش» هو سعد الحريري بذاته، بسبب دخان الانزعاج الذي تبدى من مدخنة «بيت الوسط» على توزير الفرزلي من حصة رئيس الجمهورية.
حتى الآن، لا تقاطع مباشرا بين دفعتي القصف الوهابي والفرزلي، ولا يمكن لهما أن يلتقيا أيضاً مع التسريبات الإعلامية التي تحدثت عن «فيتو» مكتوم يضعه الحريري على اسناد المشنوق «أم الوزارات»، فيما لم يناقش رئيس «تيار المستقبل» هذه المسألة مع أي من أركانه ولا حتى قرّشها في أي من المسوّدات التي وضعها على طاولة رئيس الجمهورية ميشال عون. ولو أراد ذلك لفعلها من دون الحاجة الى تسريبات كتلك التي حاول البعض أن ينسبها إليه من ثم القول إن الداخلية ستؤول إلى جمال الجراح كوزير دولة ولكن تكون الحقيبة بعهدة الحريري نفسه!
وقبل أن تعلن الوزارة، ليل أمس، ذهب أكثر من «مستقبلي» الى حدّ الجزم أنّ بقاء المشنوق في الداخلية هو من الثوابت الحريرية لاعتبارات عدة، أبرزها يرتبط بحسن ادارته للاستحقاقات الانتخابية، وللدور الايجابي الذي اضطلع به ابّان المشاورات الرئاسية.
ولهذا، يقول هولاء إنّ هذه التسريبات لا تمتّ الى الواقع بصلة، وهي لا تنمّ سوى عن اعتبارات فردية موضعية لدى بعض «الرفاق» ليس من باب الطموح السياسي أو المنافسة الوزارية، بقدر ما لها علاقة بحسابات شخصية ودفاتر قديمة.
وفي سياق تلك الحملة، كان ما أتى عبر أحد المواقع الالكترونية قبل أن يحذف الخبر ويتقدم بشبه اعتذار للمشنوق، حول قضية اللاجئين، وقد استند بمعطياته إلى المعارض السوري كمال اللبواني، الذي أعاد نشر اتهاماته على صفحته الخاصة في «فايس بوك» إذ قال: «أبلغتني مصادر غربية رفيعة أن وزير الداخلية اللبناني في حكومة «حزب الله» نهاد المشنوق قد أجرى اتصالات مع النظام السوري وينسق مباشرة مع علي مملوك لتنفيذ خطة ابعاد قسري للاجئين السوريين من لبنان باتجاه سوريا».
الا أنّ الأخير عاد ليوضح أنّ «الكاتب الذي صاغ النص كان على عجلة من أمره لدرجة أنه لم يدقق في ما يقول ولا في ما يكتب فأكثر من المغالطات والأخطاء».
طبعاً، لا يمكن لأي خيط أن يجمع بين هذه الاعتبارات المتناقضة، بين اتهام خارجي وشكوى داخلية وتسريب افتراضي.
السيناريو الأقرب الى المنطق هو أن هناك من استفاد من «زكزكة» ما لا يُبرأ منها «الأقربون قبل الأبعدين»، لاستثمار هذه الحملة، كل لموال في رأسه. ويمكن هنا سؤال عقاب صقر عمن يقف خلف اتهامات المعارض السوري «باعتبار أنه الأكثر خبرة واطلاعاً في هذا الملف»… وفق إشارة «المستقبليين».