كتب ناصر شرارة في صحيفة “الجمهورية”:
خرجَت في 15 و 16 الجاري 7 دفعات من النازحين من الأحياء الشرقية لحلب التي لا تزال محاصَرة، في اتّجاه ريفها الغربي. وبالتزامن معها خرَجت دفعات من مواطني هذه الأحياء بشكلٍ غير منظم، وسَمح النظام بها. وكانت أعدادهم تفوقُ مَن تمَّ نقلهم بالحافلات الخضرِ ضمن الدفعات السبعِ الآنفة، وهؤلاء لم يقصدوا ريف حلب الغربي بل منطقة ريف إدلب التي يتحدّرون منها.مع بلوغ خطة تنفيذ الاتفاق الدفعةَ الثامنة، حصَلت حادثة توقيف هذه الدفعة وردِّها من حيث أتت. ثمّة أكثر من رواية لحقيقة ما حصَل وأدّى إلى تعطيل تنفيذ اتّفاق حلب الروسي مع المسلحين الذين كان لتركيا دورٌ أساسي فيه.
رواية المعارضة تفيد أنّ مجموعات مسلحة تابعة لإيران هي التي قامت بهذا العمل رغماً عن إرادة موسكو، وهدفُها رغبة طهران في أن تصبح شريكاً في هذا الاتفاق مع الروس، ذلك أنّه خلال اليومين الأوّلين من تنفيذه كانت مسوّدته تُمهَر فقط بتوقيعَي الروس والمسلحين، ولكن بعد اعتراض الدفعة الثامنة من النازحين، وتوقّفِ مسار تنفيذ الاتفاق، أُدخِلت تعديلات عليه، بحيث تمّ ضمُّ ملفّ إخلاء المحاصَرين الشيعة من بلدتَي كفريا والفوعة إلى ملف اتّفاق حلب، علماً أنّ الملف الأول كان مرتبطاً بملف إخراج المحاصرين من بلدتَي مضايا والزبداني اللتين تسيطر عليهما المعارضة.
وبهذا التعديل أصبح ملفّ إخراج المحاصرين من حلب الشرقية مرتبطاً بملفَّي: مضايا والزبداني، والفوعة وكفريا، ووُضِع جدول زمني لإخراج متبادل للمدنيّين المحاصرين من كلّ هذه المناطق، نصَّ على ثلاث دفعات تراعي أن لا يتمّ إخراج آخِر دفعة من نازحي حلب إلّا بعد ضمان إخراج آخر دفعة من بلدتَي كفريا والفوعة.
التعديل الإضافي على الاتفاق اشتملَ أيضاً على أن يضافَ التوقيع الإيراني إلى جانب التوقيع الروسي على الاتّفاق، في مقابل توقيع المسلحين من الجانب الآخر.
وبحسب هذه الرواية، فإنّ إيران حاولت بدايةً تضمينَ الاتفاق المعدّل بنداً يفيد بالسماح لمَن يريد من سكّان كفريا والفوعة المحاصَرين والبالغ عددُهم 15 ألفا بالخروج، ولكنّ المعارضة المسلحة فاوضَت ليتوقّف عدد المسموح لهم بالخروج عند 4 آلاف فقط، في مقابل السماح لـ1400 بالخروج من مضايا والزبداني.
تجدر الملاحظة إلى أنّ الجيش السوري و»حزب الله» كانا خلال الأشهر الماضية، قد نجَحا في تضييق الحصار على الزبداني، بحيث أصبح قرار إسقاطها متاحاً عسكرياً، ولكن لأسباب لوجستية لم يتمّ إسقاطها بكاملها، وتُرِك المسلّحون فيها متمركزين في منطقة صغيرة من البلدة.
ويعود السبب الى انّ معظم مسلّحي الزبداني ينتمون الى منطقة الفوعة وكفريا، وفي حال القضاء عليهم، سيؤدي ذلك الى تسعير رغبة أهاليهم لاقتحام هاتين البلدتين المحاصرتين، والانتقام منهم.
ولذلك فإنه بعد ضمّ ملفَّي إخراج مواطني الفوعة وكفريا وأيضاً الزبداني ومضايا إلى ملفّ حلب، يصبح النظام متحرّراً من تبعات انعكاس سيطرتِه على الزبداني على الوضع في الفوعة وكفريا، ما يرشّح أنّه سيبادر لاستعادة مضايا قريباً.
ثمّة رواية أخرى بات لها حظّ من التصديق داخل كواليس ديبلوماسية، وهي لا تنفي معطيات الرواية الأولى ولكنّها تكملها وتضيف إليها عوامل أكثر أهمّية.
ومفادُها أنّ الدفعة الثامنة من النازحين من حلب الشرقية التي تمّ اعتراضُها ــ وأدّت إلى التشويش على سلاسة تنفيذ اتّفاق إنهاء وجود المسلحين في حلب الشرقية وإغاثة أهاليها، وأيضاً إدخال تعديلات على النسخة الأولى من الاتفاق ــ كانت تخبّئ بين الأهالي الخارجين في إطارها بعضَ المستشارين العسكريين من جنيسات مختلفة الذين تقدّر المعلومات إجمالي عددِهم بـ 132 مستشاراً.
وقاد هذا التطوّر إلى رفعِ الصوت الفرنسي على ضرورة أن يتضمّن اتفاق إجلاء حلب الشرقية ووقف النار فيها، ضمانات حول عدمِ اعتراض دفعات الخارجين منها.
ويُذكر في هذا الإطار أنّ الاتفاق الأساس ينصّ على عدم جواز أن تدقّق حواجز الجيش السوري وحلفائه بهويات الخارجين من حلب الشرقية ضمن إطار دفعات الإجلاء التي تنظّمها غرفة تركيّة ـ روسيّة مشتركة موجودة عند معبر الرافدين وفي حميميم، ولكنّ الحواجز التابعة للنظام وحلفائه والتي التزَمت هذا البند خلال مرور الدفعات السبع الاوَل، فتّشت الدفعةَ الثامنة ودقّقت في هويات الأشخاص الخارجين في إطارها، بحثاً عن مستشارين عسكريين من جنسيات مختلفة مختبئن بين النازحين.
إثر هذه الحادثة التي باتت تُعرف بـ»حادثة الدفعة الثامنة»، تمّت معاودة تفاوضٍ بين المسلحين بواسطة تركية والطرف الروسي، بهدف تحصين الاتفاق، ما أدّى إلى:
ـ أولاً، إعطاء دور مباشر لإيران في تنفيذ الاتفاق لضمان حسنِ سير تنفيذه في الميدان.
– ثانياً، تعديل آليّة التنفيذ والاتفاق، ليشملَ ملفّ المحاصرين في الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا. وظلّت نقطة عالقة لم يتمّ الاتفاق عليها وتتضمَّن تقديم «ضمانات حقيقية» ـ حسب تعبير المعارضة ـ لعدم اعتراض الخارجين المدنيّين والمسلحين من حلب الشرقية على حواجز النظام وحلفائه، ومنع تكرار ما حدث مع الدفعة الثامنة.
وفي النهاية تمّ الاكتفاء بمعاودة تنفيذ الاتفاق وفق نسخته المعدّلة ناقصاً نقطة الضمانات. ولكنّ مفاوضات خارجية واكبَت هذه التطورات، حاولت معالجةَ بندِ الضمانات من خلال فكرة الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت على قرار تحت البند السادس يَدمج بين مقترحَين فرنسي وروسي لنشرِ مراقبين مدنيّين وغير عسكريين في حلب لمراقبة سيرِ عملية إجلاء المدنيين والمسلّحين منها.
ويؤمّن هذا الانتشار في الشكل مطلبَ المعارضة، ويؤمّن لموسكو نوعاً من الشرعنة الدولية لعمليتها العسكرية التي أدّت إلى إخراج حلب من تحت سيطرة المعارضة المسلحة الى كنفِ النظام الذي تدعمه.