كتب حكمت عبيد في صحيفة “السفير”:
لم يسبق لبيان وزاري لأي من حكومات لبنان، أن ذكر في متنه قضية اغتيال بذاتها، باستثناء قضية الرئيس رفيق الحريري التي ذكرت للمرة الأولى بعد اغتياله في 14 شباط من العام 2005.
وإسوة بكل الحكومات التي تشكلت منذ العام 2005، سيكون على اللجنة الوزارية المكلفة إعداد البيان الوزاري، تحديد لغة وسقف الفقرة المخصصة لعلاقة الحكومة الموعودة بالمحكمة الخاصة بلبنان، على ان يبدأ النقاش بشأن طرق تمويلها للعام المقبل كحد أدنى، نظرا لعمر الحكومة الافتراضي القصير.
بعد استقالة حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي في 19 نيسان 2005، أكدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الانتقالية في بيانها الوزاري، بتاريخ 19 نيسان 2005، «التزامها الكامل بقرار مجلس الامن الدولي رقم 1595 القاضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية تتولى التحقيق في جريمة الاغتيال (الحريري ورفاقه)، كما تؤكد التزامها بتسهيل مهمة اللجنة وفقا لما ورد في بنود القرار المذكور بما في ذلك الاستماع الى كل من يستدعي التحقيق استجوابه توصلا الى كشف الحقيقة وتوقيف المجرمين ومحاكمتهم».
ودخل البيان الوزاري بتفصيل إجرائي غير مسبوق إذ أكد ايضا التزام الحكومة «تسهيل التحقيقات التي ستقوم بها اللجنة الدولية، وذلك من خلال وضع قادة الأجهزة الامنية الذين لم يأخذوا المبادرة بالتصرف، واتخاذ ما تستدعيها التداعيات الناتجة من جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه من تدابير. على ان تتخذ الحكومة ايضا القرارات والإجراءات بحق كل من يظهره التحقيق فاعلا أو مقصرا في تلك الجريمة النكراء».
هذا النص الوزاري الذي جاء تحت وطأة الضغط الدولي مهّد لاعتقال سياسي لعدد من قادة الأجهزة الأمنية لنحو ثلاث سنوات «على ذمة التحقيق»، وتبعه نص حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، بتاريخ 19 تموز 2005 «بالالتزام بالعمل الجاد لجلاء الحقيقة وكشف المرتكبين ومحاكمتهم أيا كانوا وأينما وجدوا». وأكدت الحكومة «إصرارها وفوق ذلك إصرار اللبنانيين جميعا بأن يحاسب جميع المسؤولين عن تلك الجرائم (الاغتيالات) أمام القضاء محاسبة كاملة».
ولاقت حكومة السنيورة الثانية بتاريخ 8 آب 2008، حيث شغل منصب وزير العدل للمرة الأولى الوزير إبراهيم نجار، الطلب الدولي بإنشاء محكمة دولية وإخراج القضية من يد القضاء اللبناني.
أما حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى (2009)، فقد مرت سريعا على قضية المحكمة وتبنت جزءا من نص الحكومة التي سبقتها وفيه تأكيد على «احترام الشرعية الدولية ولما اتفق عليه في الحوار الوطني، والتزام التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان».
ووسط ما خلفته طريقة إنشاء المحكمة من انقسامات سياسية وقضائية وقانونية، تمسكت حكومة نجيب ميقاتي الثانية في بيانها الوزاري بتاريخ 5 تموز 2011، بالموقف المبدئي للحكومات السابقة، وأضافت عبارة «بما لا ينعكس سلبا على استقرار لبنان ووحدته وسلمه الأهلي».
واستنسخت الحكومة المستقيلة برئاسة تمام سلام، في بيانها الوزاري النص الحرفي الذي ورد في بيان حكومة ميقاتي التي سبقتها. فهل هذا ما ستعتمده الحكومة الموعودة، وكيف ستتعامل مع مسألة تمويل المحكمة؟
وعلى الرغم من غياب الشفافية والعلنية في آليات صرف الموازنات العائدة للمحكمة والتي رتبت على المكلف اللبناني حتى الآن ما يقارب الـ400 مليون دولار أميركي، فإن لبنان بقي ملتزما تسديد حصته البالغة 49 في المئة من إجمالي الموازنات، غير أنه لم يسددها مرة وطوال سبع سنوات وفقا للقوانين والأصول المتبعة، بل كانت جهات حكومية أو مصرفية خاصة، تسدد المبالغ المتوجبة على لبنان!
وتقول أوساط معنية إن وزير المال علي حسن خليل، ضمّن مشاريع الموازنات طيلة ولاية الحكومة السابقة بندا خاصا لتمويل المحكمة، لكنه لم يبرر يوما كيف سيقر مجلس النواب هذا البند فيما لم يشرع المجلس في الأساس قيام المحكمة، وهذه إشكالية قانونية لا يمكن تجاوزها، بمعزل عن الموقف السياسي للكتل النيابية من المحكمة.
وتضيف الأوساط بأنه وبرغم الوعود المتكررة، لم تنشر المحكمة تقارير شركة التدقيق الخاصة، كما أنها لم ترسل إلى النواب اللبنانيين أو إلى ديوان المحاسبة اللبناني نسخا من التقرير السنوي لشركة التدقيق البريطانية.
لا تتوقف المحكمة الخاصة عند شكل التمويل ومدى قانونيته اللبنانية، «بل ان ما يهمها أن التمويل يأتي بموجب حوالة من الجمهورية اللبنانية وعبر المصرف المركزي اللباني». والمحكمة قادرة على تأمين حصة لبنان من الموازنة في ما لو تمنع لبنان لسبب مقبول عن دفع حصته، وتقول أوساط معنية لـ «السفير»، إن الفرصة الآن مؤاتية لإقناع الأمم المتحدة بضعف قدرة لبنان على سداد حصته نظرا لحجم الأعباء التي يتحملها لخدمة نحو مليوني لاجئ سوري.
وتلفت الأوساط النظر الى أننا «أمام فرصة بوجود أنطونيو غوتيرس، الأمين العام الجديد للأمم المتحدة الذي سيستلم مسؤولياته في بداية 2017 كونه يدرك حجم الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان».