IMLebanon

“تداعيات حلب” على لبنان

كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: عودة مدينة حلب إلى الجيش السوري وحلفائه، ومن أبرزهم حزب الله، شكلت نقطة تحول في مسار الحرب السورية الى درجة القول إن حلب كانت آخر الحروب الكبيرة، لكن هذا الحدث لا تنحصر مفاعيله في الساحة السورية وإنما تتجاوزها نظرا لحجم التغييرات التي طرأت على وضع المعارضة وعلى ميزان القوى الإقليمي الدولي في سورية، ولبنان معني بهذا التطور الذي ستكون له انعكاسات وتداعيات على أوضاعه.

وهذه التداعيات يمكن النظر إليها من ثلاث زوايا ووضعها في ثلاثة أطر:

1 ـ التداعيات السياسية، بمعنى حصول تغيير في ميزان القوى الداخلي واستقواء حزب الله بانتصار حلب، هي التداعيات الأقل احتمالا والأكثر استبعادا إذا ما استندنا الى تأكيدات حزب الله بأنه ليس في صدد استثمار انتصار حلب في الداخل اللبناني، وهو يقيم فصلا بين الحرب السورية والوضع اللبناني.

وهذا ما تأكد في الاستحقاق الرئاسي الذي حددت مساره ومصيره التوافقات الداخلية وليس الحرب السورية، وفي الاستحقاق الحكومي الذي لم يتأثر بسقوط حلب ولم يكن ينتظره.

معادلة “ما بعد حلب ليس كما قبله” تصح في سورية وليس في لبنان. فالتسوية في لبنان كانت رست على صيغة “عون ـ الحريري” ولا تحتاج لتعديل. وهذه التسوية كانت أرسيت أثناء احتدام معركة حلب وعندما كان سقوطها محتما ومسألة وقت.

وبالتالي فإن حزب الله لم يكن يحتاج الى الانتظار كي يدرك أن موازين القوى ستختل لصالحه، وبنى التفاهم الداخلي وفقا لقواعد وأسس لا يحتاج الى أي تعديل لأن شيئا لم يتغير، كما أن حزب الله لا يريد “كسر” تيار المستقبل ولا يعمل لإخراجه من المعادلة السياسية، وتجارب الماضي لم تكن ناجحة والحوار الثنائي مستمر وأوجد معادلة استقرار مقبولة في البلد مقارنة بالحريق في المنطقة، ووجود الرئيس الحريري بضعفه الراهن في السلطة لا يضر حزب الله بل يفيده، خصوصا أن عودة الحريري الى رئاسة الحكومة محكومة بضوابط سياسية، لا الحريري يريد ولا يستطيع أن يتجاوزها، ولا الحزب أيضا يرغب في تعديلها لأنها تتناسب مع رؤيته السياسية القائمة على ضرورة حماية الاستقرار الداخلي وفصله عن تطورات المشهد السوري.

وبالتالي، فإن “المعادلة التسوية” التي قامت قبل حلب ستستمر بعد حلب.. وبعد إدلب أيضا.

2 ـ التداعيات العسكرية، بمعنى نزوح مجموعات وتنظيمات إسلامية متطرفة من حلب باتجاه لبنان، وأن يكون لمعركة حلب تأثير على الوضع الميداني على الحدود اللبنانية السورية، مثل هذه الاحتمالات غير مطروحة نظرا للبعد الجغرافي لحلب عن لبنان الذي يتأثر أكثر بسيطرة “داعش” على تدمر واحتمال أن يتحول شرق سورية الى مركز تجمع لتنظيم “داعش” القادم من الموصل، أما التأثير السلبي الآتي من حلب، فإنه يكمن في نزوح السكان بأعداد كبيرة وإمكانية أن يصل بضعة آلاف الى لبنان للانضمام الى السوريين المتواجدين على أرضه، خصوصا في شمال لبنان، وهذا ما سيؤدي الى تعقيدات وأعباء إضافية في ملف النزوح السوري.

3 ـ التداعيات والمخاطر الأمنية هي الأبرز وهي الواردة ويجب التحسب لها.

سقوط حلب بالطريقة التي حصلت أدى الى صدمة كبيرة في أوساط الإسلاميين وجهات داعمة ومتعاطفة، ليس فقط بسبب ما تخلل السقوط من فظائع إنسانية وإنما بسبب شعور أن هناك مؤامرة دولية إقليمية لأن المجتمع الدولي ترك حلب لمصيرها وتفرج على ما حدث فيها وبدا عاجزا أو متواطئا، ولأن روسيا طبقت نموذج غروزني في حلب، ولأن الأتراك باعوا حلب للروس، ولأن الإيرانيين استباحوها.

بعد حلب تتنامى مشاعر تطرف وحقد وكراهية، وهذه كلها أرضية خصبة لنمو التطرف والإرهاب وتغذيته، وسبب كي تدخل الحالة الإسلامية في المنطقة في حال غضب وغليان، وأن يكون من نتائج هذا الوضع الجديد موجة جديدة من العمليات الإرهابية المتعددة الأشكال والأهداف والساحات، وأولاها ثلاث دول مرشحة لتلقي نتائج هذا الوضع الجديد: تركيا، الأردن، لبنان.

وقد بدأت بالفعل بوادر هذه المخاطر بالظهور: في تركيا اغتيال السفير الروسي حصل على وقع “لا تنسوا حلب”.. في الأردن أحداث الكرك كشفت أن “داعش” يملك خلايا وبنى تحتية بانتظار تحريكها.. وفي لبنان تدور منذ أيام اشتباكات في عين الحلوة بادرت إليها تنظيمات إسلامية لها وجود خارج المخيم وإمكانات تحرك.

التحديات الأمنية على الساحة اللبنانية في مرحلة الانعطافة الجديدة في الصراع السوري، يرتفع منسوبها، وهناك تخوف من ارتدادات سقوط حلب على المشهد الأمني اللبناني.

فالحدث ليس بسيطا ولا عابرا، فإذا كانت معادلة حزب الله السياسية “ما بعد حلب مثل ما قبله” وتنسجم مع الرغبة الدولية بثبات الاستقرار اللبناني، فإن معادلة خصوم حزب الله الأمنية هي “ما قبل حلب ليست كما بعده”، فقد حان وقت الانتقام وتصفية الحساب.