يقود مسؤول الملف العراقي في “حزب الله”، الشيخ محمد كوثراني، مساعي حثيثة لترطيب الأجواء بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
ويأتي هذا في وقت تشهد فيه بغداد تحركات لترتيب لقاءات بين شخصيات متناقضة سياسيا وطائفيا وهي في نفس الوقت جزء من العملية السياسية، وذلك في مسعى هادف إلى الاستعداد لانتخابات 2018.
وتأتي مساعي كوثراني بدعم وتأييد من مكتب علي خامنئي المرشد الأعلى في إيران، وامتدادا لوساطات سابقة قام بها الحزب، وتهدف إلى التركيز على وحدة الطائفة الشيعية وعدم انقسامها.
وكشفة صحيفة “العرب” أن إيران طلبت من الصدر والمالكي هدنة إعلامية، لفسح المجال أمام الوسطاء الذين عقدوا لقاءات في النجف وقم وبغداد وبيروت بين ممثلين عن الطرفين.
وتريد طهران أن يلعب رئيس الوزراء حيدر العبادي دورا مهما في التسوية بين الصدر والمالكي رغم البرود في علاقته بهما بسبب الإصلاحات والمعركة ضد الفساد.
وفوجئت الأوساط السياسية، في هذا السياق، بزيارة قام بها الصدر الاثنين إلى منزل العبادي في المنطقة الخضراء ببغداد، فيما نقلت مصادر “العرب” في مكتب العبادي أنه يعمل على ترتيب لقاء قريب بين زعيم التيار الصدري والأمين العام لحزب الدعوة، وأن هذا اللقاء ربما يعقد في بغداد أو بيروت قريبا.
وأدان الصدر بوضوح في مؤتمر صحافي جمعه بالعبادي الاعتداء الذي تعرض له مؤتمر لحزب الدعوة في البصرة، مطلع الشهر، من قبل أشخاص محسوبين على كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري.
ولم تنف مصادر في مكتب الصدر إمكانية لقائه بالمالكي، لكنها قالت إن هذا اللقاء ليس على جدول زيارة الصدر إلى بغداد.
لكن مصادر “العرب” في مكتب المالكي تتحدث عن خشيته من “حراك شيعي لعزل زعيم ائتلاف دولة القانون، وتفكيك كتلة الإصلاح البرلمانية التي يقودها حزب الدعوة”.
ويعتقد المالكي أن انفتاح الأحزاب السياسية الشيعية على نظيرتها السنية في إطار مشروع التسوية، يقتضي عزله عن التأثير على التحالف الشيعي، الذي يضم المجلس الأعلى والصدريين وجناح العبادي في حزب الدعوة.
وتقول المصادر أيضا إن التحالف الشيعي سيختبر قوته في مواجهة نفوذ المالكي السياسي، بمحاولته حماية محافظ بغداد علي التميمي من الإقالة، وهو الذي يواجه حملة قوية داخل مجلس المحافظة تقودها كتلة العبادي، وتستهدف استجوابه ثم عزله.
ولم يكن لقاء الصدر بالعبادي هو الوحيد الذي جرى في بغداد، بل سبقه لقاء للمالكي مع شخصيات سياسية سنية من محافظتي صلاح الدين والأنبار، بينها رئيس مجلس النواب الأسبق محمود المشهداني وحسين الفلوجي وشعلان الكريم، فيما التقى زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم رئيس البرلمان سليم الجبوري ورئيس كتلة الحل النيابية محمد الكربولي.
واعتبر متابعون للشأن العراقي أن هذا الحراك السياسي يأتي لفرز القوى السياسية، استعدادا لبناء التحالفات التي ستخوض الانتخابات المقررة في 2018.
وأشاروا إلى أن المالكي يبحث عن شركاء سنة لإشراكهم في كتلة جديدة، قد تحمل اسم ائتلاف دولة القانون، والحكيم يفتش عن بديل لتحالف آل النجيفي وأمين عام المشروع العربي خميس الخنجر، بعد تعثر مفاوضات إعادة دمجهم في العملية السياسية.
ولم يستبعد هؤلاء المتابعون حدوث مفاجآت ربما تقود إلى جمع خصوم الأمس في قائمة انتخابية.
وفي مرحلة الإعداد للانتخابات تتقدم مسألة الحفاظ على النظام القائم في العراق من خلال إعادة إنتاجه على جميع المسائل الأخرى.
وتسعى الكتل والأحزاب المشاركة في العملية السياسية إلى طي صفحة خلافاتها مؤقتا وإجراء تفاهمات تكون الأساس الذي يقوم عليه نظام المحاصصة الذي يضمن للجميع حصصهم من غنائم السلطة.
وقال مراقب سياسي عراقي إن مهمة الحفاظ على نظام المحاصصة يتساوى فيها جميع الأطراف بغض النظر عن تمثيلها الطائفي.
ولم يستبعد المراقب في تصريح لـ”العرب” أن يلجأ من أجل ذلك طائفي شيعي مثل نوري المالكي إلى التحالف مع طائفيين سنة من أجل إبرام صيغة موقتة للتعايش “تبدو كما لو أنها محاولة لردم الهوة الطائفية، غير أنها محاولة لتكريس البعد الطائفي للنظام السياسي”.
وأضاف أن الطائفي الشيعي لا يضمن استمراره في الهيمنة إلا من خلال التحالف مع طائفيين سنة، تؤهلهم طائفيتهم للمشاركة في الحكومة، بعيدا عن المشروع الوطني.
أما داخل البيت الشيعي، فقد اعتبر المراقب أن الخلافات بين أطرافه، يمكن ضبطها إيرانيا.
وأشار إلى أن التظاهرات التي قادها الصدر تم لجمها بعد أن حققت غرضها في إشاعة الخوف بين صفوف الطاقم السياسي، كما لو أنها رسالة إيرانية إلى حزب الدعوة.
ولا يتعلق ما تفضله إيران بوحدة الطائفة فقط، بل بقدرة سياسيي الطائفة على تكريس البعد الطائفي للنظام القائم الذي يُعاد إنتاجه كل أربع سنوات.
ولفت المراقب إلى أن هذه السياسة ستجعل المشكلات التي يعاني منها المجتمع العراقي مؤجلة في انتظار حل المشكلة الدينية، الأمر الذي يعيد كل شيء في العراق إلى المربع الأول، أي نظام المحاصصة.