كتب بسام أبو زيد
أطلقت حكومة العهد الأولى على نفسها اسم “حكومة استعادة الثقة”، وهو شعار تحتاج ترجمته إلى الكثير من العمل الفعلي والنتائج الجدية ليس فقط على صعيد لبنان بل على صعيد المنطقة والعالم.
إن الثقة التي يطلبها اللبنانيون من العهد الجديد ليست ثقة آنية تمتد على مدى عمر هذه الحكومة، أو عمر الحكومات المقبلة إذا حصل ذلك، بل إن اللبنانيين يريدون ثقة مستمرة بنظامهم السياسي تضمن لهم أن لا تكرر تجارب الفراغ والتمديد واستقواء فئة على أخرى، ما يؤدي إلى اختلال في التوازن الوطني يمكن أن ينفجر أزمات جديدة قد تصل إلى حروب تغير وجه لبنان.
وبانتظار أن تتحقق هذه الثقة الطويلة المدى لا بد من التطرق إلى ما يمكن لهذه الحكومة أن تحققه من استعادة للثقة لدى اللبنانيين.
هذه الحكومة لا يمكنها أن تعمل بمعزل عن شعارات العهد، وأولها الرئيس القوي وقيام الدولة ومكافحة الفساد، وانطلاقا من هذه الشعارات ستدخل الحكومة في استحقاقات كبيرة على علاقة بهذه الثقة ومن ضمنها التعيينات في مواقع الفئة الأولى وتطبيق مقولة الرجل المناسب في المكان المناسب، إعداد موازنة تركز على القضايا الاجتماعية والمعيشية وتتيح فرصا أكبر للاستثمار، تحسين مستوى الخدمات وفي مقدمها الكهرباء، وقف ما أمكن من السرقة وهدر المال العام ومحاسبة المرتكبين، استعادة ثقة الدول العربية ولا سيما الخليجية وعودة رعاياهم إلى لبنان كمستثمرين وكسواح.
هذه هي بعض وجوه استعادة الثقة، وكي تصبح واقعا ملموسا يفترض بهذا الحكم أن يكون متضامنا وان يبتعد أركانه عن المصالح الشخصية والمحسوبيات، وهو أمر يحتاج إلى جهد كبير لأن جهات سياسية قد اعتادت على هذه الممارسات منذ سنوات طويلة وبنت من خلالها هيكلية كبيرة داخل بعض مؤسسات الدولة أصبحت تعرف بهيكلية الفساد، ويحتاج تفكيكها أولا إلى اقتناع الجهات السياسية التي تحميها بأن استمرارها سيؤدي إلى انهيار الهيكل المؤسساتي على رؤوس الجميع.
في استعادة الثقة أيضًا احترام القوانين، وأن تطبق على كلّ طبقات الشعب اللبناني وأن يحمي القانون أصحاب الحقوق وأن تتوقف الاستنسابية في تطبيقه. ومن هذا المنطلق يأتي الحديث عن دور القضاء والمجلس الدستوري وكلّ المؤسّسات المعنية بهذه العملية التي تبقى الأساس في أي حماية قانونية ودستورية للوطن والمواطن.
يستعيد اللبناني ثقته بالحكم والحكومة في لبنان إذا شعر أنّه بالفعل مواطن حرّ محترم في دولة القانون والمؤسسات والسيادة، وإذا شعر أنّ المواطنين سواسية أمام القانون وفي تطبيقه، وفي الأهمية المعطاة له في عملية بناء الوطن وأولويتها قانون انتخابات يمكن من حسن التمثيل والمحاسبة.
يستعيد المواطن الثقة بهذه الدولة عند شعوره بالفعل بأنّها وحدها القادرة على حمايته، وهو أمر يتطلّب أن يقتنع أركان الحكم أولا به فلا يتحدثون ولا يستجدون حمايات من خارج الدولة، ولا يقارنون أي قوة مسلحة بالجيش والقوى الأمنية الشرعية. هنا المكمن الأساس للثقة، باعتبار أنّ الرئيس القوي والحكومة القوية لا يكونان إلا بالدولة القوية التي تبذل الغالي والرخيص في سبيل تعزيز قدرات جيشها والقوى الأمنية كي تفرض الأمن والأمان على طول الحدود وفي الداخل، دولة لا مصلحة لها سوى في إطار حدودها حيث تبنى الثقة فتؤثر في ما يجري خارج الحدود تأثيرًا إيجابيًا، لا كما يجري اليوم من انعدام ثقة في الداخل وتأثيرات سلبية من الداخل والخارج.