IMLebanon

لبنان يرتّب بيته الداخلي

 

كتبت بولا أسطيح في “الشرق الأوسط”:

لا يشبه لبنان الحالي في نهاية عام 2016 شيئا مما كان عليه في نهاية عام 2015 . ذلك أن انتخاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح٬ النائب ميشال عون٬ رئيسا للجمهورية بنهاية شهر تشرين الأول الماضي شكل تحولا في المسار السياسي في البلاد٬ ووضع حدا لعامين ونصف العام من الشغور في سدة الرئاسة الذي انعكس إلى شلل في كل المؤسسات الدستورية٬ وأضعف بنية الدولة التي كادت تتداعى في أي لحظة.

وحتى ولو كان العهد الجديد لم ينطلق بعد بالزخم المطلوب٬ بدأ اللبنانيون في أعقاب تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس سعد الحريري يلتمسون مفاعيل التحول السياسي٬ إن كان من خلال الانتعاش الذي لفح بالاقتصاد والقطاعين المالي والسياحي٬ أو من خلال عودة الحراك السياسي المعتاد. وكان الحريري٬ رئيس تيار المستقبل٬ قد كلف بتشكيل الحكومة في (تشرين الثاني) في أعقاب المشاورات الملزمة دستورًيا. وسهل الانفراج السياسي هذا٬ بعد فترة شد ومراوحة٬ تداعي فريقي 8 و14 آذار لتسهيل التسوية السياسية. وبوجه خاص٬ قرار تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية تبني ترشيح عون. وهكذا٬ حصل تبدل ظاهر في المشهد اللبناني مع تداخل التحالفات بعضها مع بعض٬ التي من المرجح أن يتضح مصيرها أكثر في الانتخابات النيابية المقبلة في شهر أيار المقبل.

“قانون الانتخاب”

إلا أن مصير هذه الانتخابات لا يزال أيضا مجهولا٬ نتيجة عدم اتفاق القوى السياسة قبل نحو 5 أشهر على موعدها على القانون الذي يتوجب اعتماده. ولكن ثمة مؤشرات على أن هذه القوى توصلت إلى قناعة ­ أقله وفقا لما تعلنه ­ على وجوب تخطي ما يسمى “قانون الستين” الذي أجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة في عام 2009 الذي، كما يدل اسمه، يعود لعام 1960.

هذا القانون يعتمد النظام الأكثري٬ ويقسم البلاد إلى 24 دائرة. ولكن ما هو مطروح الآن التفاهم على قانون عصري يؤمن صحة التمثيل ويواكب التطورات التي شهدها لبنان طوال السنوات الـ57 الماضية. وفي حين يصر عون وما يسمى “حزب الله” وغيرهما من القوى السياسية على وجوب السير بقانون انتخاب جديد يعتمد النسبية الكاملة٬ يتمسك “تيار المستقبل”٬ وحزب “القوات”٬ والحزب “التقدمي الاشتراكي”٬ وغيرها من الأحزاب بالقانون المختلط الذي يعتمد النظام النسبي في مناطق٬ والأكثري في مناطق أخرى.

ولا يبدو الوزير السابق الدكتور إبراهيم نجار متفائلا بإمكانية تحقيق اتفاق في هذا المجال٬ ويرجح تطوير “قانون الستين” في حدود دنيا كي يصبح مقبولا٬ وبصورة خاصة٬ من خلال اعتماد “الكوتة” (الحصة) النسائية بنسبة 20 في المائة وتفعيل الأجهزة الرقابية٬ معتبرا في تصريح لـ”الشرق الأوسط” أنّه “من غير المنطقي إدخال النسبية دفعة واحدة إلى النظام الانتخابي٬ بل يتوجب أن تدخل تدريجيا وبمرحلة أولى ما في نسبة لا تتخطى الـ15 في المائة”.

في المقابل٬ يرى الوزير السابق كريم بقرادوني٬ أيضا في تصريح لـ”الشرق الأوسط”٬ أن إجراء الانتخابات النيابية في موعدها “يعد بحد ذاته إنجازا خصوصا أننا في ظل مجلس نيابي انتهت ولايته منذ 4 سنوات”٬ لافتا إلى أنّه فيما يتعلق بقانون الانتخاب فإن “النسبية الكاملة آتية إلينا وهذا محسوم٬ لكن السؤال هل يحصل ذلك قبل الانتخابات النيابية المقبلة أو بعدها”؟ ويضيف: “لا شك أنه وفي عهد الرئيس عون سيولد قانون أكثر عدلا وتمثيلا يعتمد النسبية”.

العلاقات العربية

ولكن لا تقتصر التحديات التي تواجه العهد الرئاسي الجديد في لبنان على قانون الانتخاب٬ بل تتخطاه إلى ملف إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع الدول العربية بعد فترة من التأزم الذي أصابها على خلفية مشاركة ما يسمى “حزب الله” في القتال في سوريا.

ويرجح نجار المقرب من “القوات اللبنانية” في هذا المجال أن ينجح الرئيس عون بـ”التوفيق بين الضرورات الاقتصادية والُبعد العربي للبنان وبين طمأنة حلفائه في المحور الآخر”٬ معتبرا أن “ثنائية عون ­ الحريري جيدة جدا من منطلق أن رئيس تيار المستقبل بحد ذاته مدخل للانفتاح على الدول العربية وطمأنة الرساميل والاستثمارات٬ لتبدأ مسيرة استعادة وسائل الإنماء وإعادة الحركة لعجلة الاقتصاد٬ لأنّه من دون إنماء لا يمكن أن نفكر بأي نجاح لأي عهد”. ويضيف نجار: “الإنماء مدخل لتنقية الإدارة٬ والأهم أن يكون هناك عمل دؤوب لإعادة الثقة بالدولة اللبنانية٬ للتحضير لمرحلة إعادة أعمار سوريا”.

أما بقرادوني، المقرب من عون ودمشق، فيؤكد أن الرئيس الجديد “يعي أنّه يرث صعوبات العهد الماضي وتداعيات شغور استمر عامين ونصف العام في سدة الرئاسة٬ وهو حاضر تماما للتعامل مع كل المشكلات٬ اقتصادًيا واجتماعًيا٬ وبالأخص٬ على صعيد ملف النازحين السوريين الذي يتخطى عدد المسجلين منهم المليون ونصف المليون”. ويضيف: “مثلما جاءت الرئاسة بقرار داخلي لبناني. يمكن وبقرارات داخلية أخرى حل جميع المشكلات التي تعترضنا”.

إلا أن تفاؤل بقرادوني لا يلقى كثيرا من الصدى لدى نجار٬ وهو يعرب عن أمله في أن “يسمح الأفرقاء لرئيس الجمهورية بتنفيذ وعوده وخطاب قسمه” الذي ينفع أن يكون بيانا وزاريا للحكومة العتيدة٬ معتبرا أنه “لا يمكن الحكم على النيات التي تبدو جيدة”. ويتابع: “لا يمكن أيضا الاعتماد على طريقة تشكيل الحكومة وصيغتها النهائية للحكم على العهد٬ فكما أكد فريق الرئيس أكثر من مرة٬ فإن الحكومة الحالية لا تلبي طموحاته٬ باعتبار أنّها برأينا حكومة لشكر من انتخبوا الرئيس ومن سمحوا بانتخابه”.

الجانب الأمني

على صعيد آخر٬ ترافقت الانفراجات السياسية في لبنان خلال عام 2016 مع انفراجات أمنية كبيرة٬ نتيجة نجاح الأجهزة الأمنية في عملياتها الاستباقية بإلقاء القبض على عدد من قادة المجموعات الإرهابية٬ قاطعة بذلك الطريق على تفجيرات كانت تُحضر لأكثر من منطقة لبنانية. ولقد خرق الاستقرار الأمني يوم دام شهدته بلدة القاع الحدودية مع سوريا شرق لبنان٬ حيث هزت في حزيران الماضي ثماني عمليات انتحارية رجحت مصادر أمنية أنّها كانت تستهدف مناطق أخرى٬ واضطر الانتحاريون إلى تنفيذها داخل البلدة التي كان ممرا بالنسبة لهم بعد كشف مخططهم٬ ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص وإصابة 28 آخرين. وتنامت بعد تفجيرات القاع ظاهرة “الأمن الذاتي” الذي ظل مضبوطا إلى حد كبير لعدم تمتعه بغطاء سياسي.