كتبت ليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
بـ 87 صوت “ثقة” خرجتْ الحكومة اللبنانية الجديدة من البرلمان في اليوم الثاني من جلسات مناقشة بيانها الوزاري والتي كان يفترض ان تستمرّ حتى اليوم، ولكنها اختُصرت بجولتيْن (نهاراً ومساءً الثلاثاء) ليُخصص قبل ظهر امس لردّ رئيس الوزراء سعد الحريري على مداخلات النواب ثم التصويت على الثقة.
وشكّل مسار جلسات الثقة التي لم يحجبها إلا أربعة نواب من اصل 92 “اقترعوا برفْع الصوت” (3 نواب من حزب الكتائب والنائب خالد الضاهر) فيما امتنع نائب “الجماعة الاسلامية” عماد الحوت عن منحها، مؤشراً واضحاً الى ان البلاد ما زالت محكومة بـ “مفعول” التسوية السياسية التي كانت بدأت اولى حلقاتها بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 اكتوبر الماضي، ثم تكليف الحريري تشكيل الحكومة في 3 نوفمبر وبعدها نجاحه في التأليف في 18 كانون الاول، ليُنجز البيان الوزاري في نحو 48 ساعة ويتم التصويت على الثقة لحكومة “استعادة الثقة” في أقلّ من 24 ساعة.
وهذه التطورات المتسارعة التي استعادتْ معها البلاد توازنها المؤسساتي بعد نحو 30 شهراً من الفراغ الذي “تآكلت” معه السلطات الدستورية، تركتْ ارتياحاً عارماً الى ان لبنان “محروسٌ” بتفاهماتٍ داخلية تحظى بـ “مباركةٍ” خارجية بهدف ضمان ان البلاد ستبقى بمنأى عن “براكين” المنطقة، سواء لاقتناعٍ اقليمي بضرورة ان تكون “مساحة تبريدٍ” تساعد في الوقت المناسب على معاودة “مد الجسور”، او لتسليمٍ بأن “ملاعب النار” الأوسع سواء في سورية او اليمن او العراق تجعل لبنان مجرّد ساحة صغيرة ستتأثّر تلقائياً بنتائج “صراع الفيلة” في المنطقة ولا داعي تالياً لمحاولة جرّه ليكون مؤثّراً في “لعبة التطاحن” الكبير.
وبمعزل عن رقم 87 الذي خرجتْ به حكومة الحريري بفعل غياب 34 نائباً عن جلسة يوم امس (إما بسبب السفر لغالبية النواب ممن كانوا سيمنحون الثقة او لتفادي إحراجات للعدد القليل الذي كان سيحجبها)، إلا ان مسار مناقشة البيان الوزاري سواء في كلمات النواب او ردّ رئيس الوزراء، عكس منحى جديداً في العلاقة بين مختلف المكوّنات السياسية التي دخلتْ في مرحلة من معاودة بناء الثقة داخلياً تمهيداً لاسترداد ثقة الخارج، من خلال الأداء المنتظر للحكومة عبر زياراتٍ مرتقبة ولا سيما لرئيس الجمهورية التي ستكون له في يناير المقبل محطة خارجية بارزة في المملكة العربية السعودية، ستشكّل بالتأكيد تكريساً لفتح صفحة جديدة بالكامل مع الرياض وغالبية دول الخليج في أعقاب اهتزاز العلاقات على مدى العام الماضي.
واستوقف دوائر سياسية في بيروت ان اليوم الأول من جلسات الثقة كان حمل إشارات انفتاح و”مدّ يد” مباشرة من “حزب الله” الى الحريري ولا سيما عبر مداخلة النائب علي عمار، ليلاقي رئيس الحكومة هذا المناخ بردّه امس على مداخلات النواب اذ اكد “ان هناك ايجابية في البلد وتعاونا، لأن القوى السياسية وصلت إلى مكان اكتشفت أنه لا يمكننا أن نتقدم في البلد ما لم يكن هناك توافق”، معلناً “قد نقول أن هذه الأمور حصلت لأسباب إقليمية أو غيرها، ولكنني أؤكد لكم أن الموضوع ليس إقليمياً بل كانت هناك خطوات لبنانية بحتة، وكلٌّ منا تحمل risk معيناً، إن كان نحن أو الأفرقاء الذين كنا مختلفين معهم، إن كان مع “حزب الله”، أو “التيار الوطني الحر” الذي كان في مكان آخر عنا، وكذلك بالنسبة إلى “القوات اللبنانية”، ولكننا قررنا أن نسير سويا لمصلحة الناس”، وملاحظاً انه “منذ أن انتَخب مجلس النواب الرئيس عون كان هناك تشكيك وكانت أصوات تتساءل عما يحصل، ولكننا رأينا أن البلد ارتاح. ثم حصل تشكيك حول مَن سيسمون لرئاسة الحكومة، والحمد لله حصل التكليف، ثم كان هناك تشكيك بأن سعد الحريري سيُكلَّف ولكن من يعلم متى سيشكل الحكومة؟ وتشكلت الحكومة بزمن قياسي، وبعد ذلك حصل تشكيك أيضاً بأنه ستكون هناك مماطلة في انجاز البيان الوزاري وانه لن ينتهي، ولكن والحمد لله أنجز في جلستين فقط”.
كما فنّد الحريري في كلمته ما قيل عن سلاح “حزب الله” والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تتولى النظر في جريمة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري والتي أعيد إلحاق البند المتعلق بها في البيان الوزاري اول من امس بعدما “سقط سهواً” من النص، فأشار في الموضوع الأول الى “ان هناك قضايا خلافية ما زالت لدينا في البلد مثل موضوع السلاح، حيث ان توافق الحد الأدنى يقول إن هذا الموضوع متروك للاستراتيجية الدفاعية، والحكومة في هذا الشأن كانت واضحة في بيانها ووضعته في هذا الإطار، وقلنا بكل هدوء أن هناك استراتيجية دفاعية ويجب أن نجلس ونتحاور في هذا الموضوع”.
وفي ملف المحكمة الخاصة بلبنان، كرّر “التزامنا بها بشكل جازم ونهائي”، موضحاً رداً على “الإشكال في قراءة عبارة “مبدئياً” الواردة في الفقرة المتعلقة بالمحكمة” ان الجملة تقول إن “الحكومة ستتابع مسار المحكمة الخاصة بلبنان، التي إنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة”، والمقصود أن المحكمة إنشئت من حيث المبدأ لإحقاق الحق، ولا أعتقد أن هناك أي خلاف حول ذلك”.
وحرص الحريري على الإطلالة على قانون الانتخاب مشدداً على “اننا اليوم غير متوافقين على هذا القانون، ولكنني أؤكد أن كل القوى السياسية في الحكومة وأنا على رأسهم، نريد قانون انتخابات جديداً ونريد أن ننجز هذا القانون ومجلسكم الكريم سيقّره”.
ومن المنتظر ان يشكّل قانون الانتخاب عنوان المرحلة المقبلة في لبنان، وسط انطباعٍ بأن قرار التبريد والتسهيل الداخلي سيتيح التفاهم على صيغة لقانون جديد تراعي هواجس غالبية القوى وتسمح في الوقت نفسه بإنجاز الانتخابات التي باتت مهلها ضاغطة (يفترض ان تجري في مايو) من ضمن تمديدٍ تقني لا يتجاوز 3 أشهر للبرلمان (اي في خريف 2017)، وذلك بما يكفل إعادة تشكيل السلطة وفق ضوابط لا يبدو ان ثمة امكانية حالياً للقفز فوقها نحو محاولة تسديد ضربات “كاسِرة للتوازن” في لبنان.