كتبت صحيفة “الراي” الكويتية: دخلتْ بيروت في استراحةِ ما قبل التسليم والتسلّم بين 2016 و 2017 وسط ترقُّبٍ لأن تحمل انطلاقة السنة الجديدة إطلاق عجلةِ العمل الحكومي مستفيداً من الزخم الذي أحدثتْه التطوّرات المتسارعة منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر الماضي ثم تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة فنجاحه بالتأليف في 18 الجاري وصولاً الى نيل حكومته ثقة البرلمان يوم الأربعاء.
ويكاد قانون الانتخاب الجديد ان يختصر مجمل المشهد السياسي في مرحلة ما بعد اكتمال نصاب المسار المؤسساتي – الدستوري، الى جانب الاستعدادات للزيارة التي سيقوم بها الرئيس عون للرياض في يناير تلبيةً لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على ان تكون السعودية أول المحطات الخارجية للرئيس اللبناني الذي تلقى ايضاً العديد من الدعوات أبرزها من الكويت ومصر وإيران وفرنسا.
وبدأت الأنظار تشخص على زيارة عون التي ستأتي من جهة لتكرّس عودة المياه الى مجاريها مع السعودية ودول الخليج بعد “عام الاهتزاز” في العلاقات مع “جنوح” لبنان الى خارج “جناحه” العربي في المواقف من قضايا عدة أبرزها الاعتداء على سفارة المملكة في طهران، كما ان هذه الزيارة تكتسب دلالاتها البارزة لأنها ستحصل على وقع التسابق العربي والاقليمي على الإحاطة بالواقع اللبناني وإظهار الاحتضان له والتنافس على “أبوة” التسوية السياسية التي بدأ مسارها بانتخاب عون، مرشّح “حزب الله” وايران، وأكمل بعودة الحريري، الحليف الوثيق الصلة بالرياض، الى رئاسة الحكومة التي كان أُقصي منها العام 2011 بقرار من “حزب الله”، وذلك في لحظة “تطاحُن” اقليمي في أكثر من ساحة “لاهبة”.
وذكّرت دوائر سياسية بأن المرحلة الممهّدة لإنهاء الفراغ الرئاسي واللاحقة له، كانت شهدت زيارة الوزير ثامر السبهان لبيروت (قبل أربعة أيام من انتخاب عون)، قبل ان يزورها مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل في 21 تشرين الثاني مهنئاً رئيس الجمهورية، وذلك مقابل اندفاعةٍ إيرانية عبّرت عن نفسها بزيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف غداة انتخاب عون، ولاحقاً بمحطة نائب وزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية حسين جابر أنصاري للتهنئة بولادة الحكومة (قبل نحو اسبوع)، وهي الزيارة التي تزامنتْ مع اتصال ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بالحريري مهنئاً بتشكيله الحكومة الجديدة، وهو ما اعتُبر في سياق توجيه اشارتين: الاولى بأنّ الرياض تترجم عملياً قرارها بـ “العودة” الى لبنان وإنهاء مرحلة “إدارة الظهر” له والتي أوحت بأنه سقط تماماً في “الحضن الايراني”، والثانية بانها مرتاحةً الى التسوية السياسية في البلاد وتشعر بان هذه التسوية أعادت “التوازن” رغم بعض التفاصيل التي يركّز عليها البعض للإيحاء بعكس ذلك.
وفي أي حال، فإن زيارة عون للسعودية ستكون العنوان الأبرز لكانون الثاني، ولن ينافسه إلا قانون الانتخاب الذي يُنتظر ان تتكثّف الاتصالات والمشاورات في شأنه ابتداءً من الأسبوع المقبل بالتوازي مع انطلاق اجتماعات الحكومة (كل أربعاء) التي تضع نصب عينيْها إنجاز مشروع الموازنة وإنهاء مرحلة الإنفاق بلا موازانة المستمرة منذ نحو عشرة أعوام، الى جانب بدء مسار تعيينات إدارية ووضع ملف النفط على السكّة وسط معلوماتٍ عن أن مراسيم النفط ستأخذ طريقها وستُدرج في جدول أعمال مجلس الوزراء.
وعشيّة بدء المرحلة الجدّية في الطريق الى قانون جديد تجرى على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة (ايار المقبل)، بدا واضحاً ان رئيس البرلمان نبيه بري و”حزب الله” نجحا في جعْل النسبية في نظام الاقتراع مرتكزاً لأيّ قانونٍ (سيستدعي تأجيلاً تقنياً للانتخابات لأشهر قليلة)، مع رسْم سقفٍ عنوانه لا انتخابات على اساس قانون الستين النافذ حالياً ولا تمديد للبرلمان.
وترى أوساط سياسية في بيروت ان الثنائي الشيعي وبعدما كان رفع شعار النسبية الكاملة كسقف الحدّ الأقصى التفاوضي، انتقل بوضوح الى مرحلة “الواقعية” التي لا تسمح إلا بإقرار قانون مختلط اي يجمع بين الاقتراع الأكثري والنسبي، نتيجة تحسُّس قوى سياسية وازنة بالمخاطر الكبرى الناجمة عن اعتماد النسبية الصافية على صعيدِ قلب التوازنات السياسية من خلال لعب قوى ذات تأثير “حديدي” في بيئتها (مثل حزب الله) داخل “ملاعب” الطوائف والمذاهب الأخرى بهدف “الأكل من صحن” قادةٍ (لا سيما الرئيس الحريري) يراد تقويض زعامتهم، مع ما يعنيه ذلك من تسديد “ضربات”… كاسِرة للتوازن.
واذا كان النائب وليد جنبلاط أكثر الذين يعبّرون و”بالصوت العالي” عن رفض النسبية الكاملة باعتبارها خطراً “وجودياً” وبمثابة “القرش” (السمكة) الذي يبتلع طائفته (الموحدين الدروز)، فإن اللافت كان إعلان بري انه “مع قانون النسبية في عمقه سبيلاً للخروج من القمقم”، مؤكداً “آخِر قرش (العملة) عندي النسبية ولا شيء غير ذلك، ولن أقبل بقانون أكثري، ونقطة على السطر”. واذ يؤكد أنه مع “قانون النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة واحدة”، يتدارك “لكن إذا رأينا أن غالبية الأطراف ترفض هذا المبدأ، ذهبنا إلى طرحيْن آخرين؛ الأول قانون التأهيل على أساس القضاء أو النسبية على أساس المحافظة”. وأشار إلى أن “رفض القانون المختلط (64 ــ 64) ليس سوى حجّة، لوضع العصي أمام كل القوانين والعودة إلى قانون الستين”.
و”على الموجة” نفسها، أطلّ رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” ابراهيم أمين السيّد من بكركي ان “الحل الأمثل هو النسبية الكاملة ولبنان دائرة انتخابية واحدة”، متداركاً “لسنا وحدنا وهناك قوى سياسية بعيدة عن هذا الطرح ونحن منفتحون على أي صيغة وعلى البحث في صيغة تحقق شيئاً من النسبية وتخفف القلق والهواجس عند اللبنانيين”.
كما برز في كلام مسؤول “حزب الله” نبرة انفتاح على التواصل مع “القوات اللبنانية” بقوله إن “الظروف في لبنان ستفرض نوعاً من التواصل ونأمل ان يصل الى مدى سياسي معين ونحن منفتحون على هذا الموضوع”.