كتب زياد الدباس في صحيفة “الحياة”:
تفاوتت تقديرات الخسائر التي تكبدتها دول “الربيع العربي” خلال السنوات الخمس الماضية، وقدّر التقرير الذي صدر عن المنتدى الاستراتيجي العربي نهاية 2015 خسائر “الربيع العربي” بنحو 834 بليون دولار، وشملت الخسائر محاور منها، تدهور البنية التحتية، وارتفاع البطالة، واتساع شريحة الفقراء، وارتفاع قياسي في مستوى التضخم، وانحسار تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتراجع كبير في إيرادات قطاع السياحة، وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي، وركود أسواق الأسهم.
وإذا كان التقرير لخص التكاليف المباشرة للفوضى التي أعقبت “الربيع العربي” لم يقس حجم الفرص التنموية والاقتصادية الضائعة كما لم يتضمن تكاليف إعادة التأهيل التعليمي والنفسي للمتضررين ولا التكاليف المترتبة على كثير من دول العالم لاحتوائها موجات كبيرة من النازحين.
والملاحظ أن الإرهاب أصبح من المواضيع التي تقلق المجتمع الدولي إذ اضطرت دول كثيرة إلى إنفاق بلايين الدولارات على تكاليف أمنية من أجل محاربته، وتستهدف التنظيمات الإرهابية عادة قطاع السياحة الأكثر تأثراً بأي عمليات إرهابية أو قلاقل اجتماعية. وكان القطاع السياحي في دول “الربيع العربي” في مقدم القطاعات الأكثر تضرراً كما امتدت الخسائر إلى القطاع السياحي في الدول التي تأثرت بطريقة غير مباشرة بأحداث “الربيع العربي” مثل المغرب والأردن ولبنان.
وأصاب ركود كبير القطاع السياحي في دول “الربيع العربي”، مثل مصر وتونس، حيث بلغت معدلات التراجع في تدفق السياح ودخل السياحة في مصر وتونس من 50 إلى 70 في المئة خلال 2012 و2013، ما أدى إلى تراجع كبير في إيرادات هذه الدول من هذا القطاع المهم، إذ تؤمن السياحة 20 في المئة من إيرادات تونس من النقد الأجنبي وتشغل نصف مليون شخص وتقدم أكثر من مليون فرصة عمل غير مباشرة في القطاعات المرتبطة بها، مثل الصناعة التقليدية.
والاعتداء الإرهابي على متحف باردو في تونس، مثلاً، ساهم في تراجع عدد السياح الفرنسيين بنسبة 18 في المئة والألمان بنسبة 11.5 في المئة. ولم يتجاوز عدد السياح الذين زاروا مصر عام 2014 9.9 مليون سائح مقارنة بـ 15 مليون سائح عام 2010. وتساهم إيرادات السياحة في تعزيز احتياطات الدول من العملات الأجنبية وقيمة العملات الوطنية وميزان المدفوعات. وتسبب التراجع الكبير في قيمة تدفقات العملات الصعبة على هذه الدول في انحسار احتياطاتها ما خفض قدرة هذه الدول على تلبية طلب المستوردين على العملة الأجنبية. وهذا ساهم في ارتفاع قياسي في مستوى التضخم وبالتالي اتساع شريحة الفقراء.
وبلغت عائدات السياحة في دول “الربيع العربي” (تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية) عام 2010 نحو 24.5 بليون دولار، وكانت حصة القطاع السياحي في مصر منها 13.6 بليون دولار، فأصبحت إيرادات السياحة في مصر مصدر استقرار اقتصادي. وبلغت حصة سورية 6.3 بليون دولار فساهم القطاع السياحي قبل “الربيع العربي” بما نسبته 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وأمّن فرص عمل لأكثر من 14 في المئة من القوى العاملة.
ويمكن تلمس حساسية القطاع السياحي للإرهاب من خلال التحذير الذي وجهته وزارة الخارجية الأميركية أخيراً بعد هجومين إرهابيين على قلعة الكرك السياحية جنوب الأردن حيث قُتل 12 شخصاً بينهم سائحة كندية. وأكدت الوزارة أن المنظمات الإرهابية المتطرفة عبرت عن رغبتها في تنفيذ هجمات تستهدف مواطنين أميركيين وغربيين في الأردن ومصر. وكان لهذا التحذير تأثير سلبي إضافي على تدفق السياح الآتين من أميركا والدول الغربية وغيرها من الدول على إيرادات السياحة في مصر والأردن. وتشير المعلومات إلى إلغاء حجوز العديد من أفواج السائحين بعد هذا التحذير.
وأدى تراجع تدفق السياح وبالتالي انخفاض دخل السياحة إلى إلغاء العديد من الفنادق والاستراحات في البتراء وغيرها من المواقع الأثرية في الأردن، إضافة إلى إلغاء عدد كبير من المرافق السياحية لنشاطات، ما أدى إلى فقدان عدد كبير من العاملين في هذا القطاع وظائفهم. وتجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الأمنية في دول المنطقة اتخذت احتياطاتها اللازمة تحوطاً من عمليات إرهابية محتملة بمناسبة رأس السنة الميلادية وما يرافقها من احتفالات وتجمعات في الفنادق والمطاعم.